كان واضحا أن اغتيال السادات ليس جريمة أسهم فيها الإخوان المسلمون, ولكنها من فعل الجماعات الشابة التي تأسست في السبعينيات, وضمت الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي والتكفير والهجرة وغيرها من الجماعات التي آمنت بالعنف والثورة المسلحة; وسيلة لإقامة الدولة الإسلامية المرتجاة. وقد لعبت الجماعة الإسلامية دورا رئيسيا في مناخ الإرهاب, والفارق بينهم والإخوان المسلمين هو نبذ العنف الذي أكده حسن الهضيبي في كتابه دعاة لا قضاة بالقدر الذي أكدته تصريحات كثيرة لعمر التلمساني الذي كانت تجمعه والسادات مودة ظاهرة. وهو الرأي نفسه الذي أعلنه أمثال محمد حامد أبو النصر وفريد عبد الخالق وغيرهما من الذين كانوا يرون في جماعة الإخوان المسلمين جماعة دعوية وليست سياسية. لكن غلب الهدف السياسي في النهاية كما هو حادث في هذه الأيام, وأدي إلي انشقاق عدد بارز من أعضاء الجماعة. المهم أن الموقف الذي وجده مبارك أمامه بعد تسلمه الحكم, كان موقفا معقدا تتشابك فيه عدة مجموعات: أما أهمها وأكثرها خطورة فهي الجماعات الإسلامية التي أصبحت تضم تكوينات متعارضة المنزع متفقة في الهدف. وبقدر ما كانت جماعات الشباب السبعيني( نسبة إلي السبعينيات) تتخذ العنف مسلكا, كانت الجماعة الأم حريصة علي المجادلة بالحسني واختيار الطريق غير المباشر ظاهريا علي الأقل. أما الجماعات الشابة فلم تكف عن محاولات الانقلاب علي الدولة حتي بعد اغتيال السادات, فقد استغلت تأثير الاغتيال والارتباك الذي حدث في الدولة, بعد الاغتيال مباشرة, فقام الجناح العسكري للجماعة الإسلامية بمهاجمة مديرية أمن أسيوط ومراكز الشرطة واحتل المدينة. ولم يتوقف العنف والإرهاب بعد ذلك, ففي الثاني عشر من أكتوبر اغتيل رفعت المحجوب, وقيل إن المقصود كان عبد الحليم موسي وزير الداخلية, وتتم السيطرة علي الإرهاب لسنوات معدودة, هي السنوات التي سافر فيها عدد من المتطرفين الشباب إلي أفغانستان, ومنهم أيمن الظواهري الذي كان زعيم جماعة الجهاد, وينضم مع أقران له إلي بن لادن مؤسس القاعدة ويشاركون فيها بما أدي إلي إجبار الاتحاد السوفيتي علي الانسحاب من أفغانستان, وكان ذلك بداية المرحلة التي تعولم فيها الإرهاب باسم الإسلام, وذلك في السياق الذي أطلق فيه علي عاصمة بريطانيا لندستان, لأنها أصبحت مركزا لتنظيم الجهاد العالمي, بعد أن حصلت الجماعات الإرهابية الإسلامية علي الكثير من التسامح التي ظنت إنجلترا أنها بذلك تخدم سياستها في الشرق الأوسط, علي نحو ما يقول مارك كيرتس مؤلف كتاب التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين الذي حرصت علي ترجمته ضمن مطبوعات المركز القومي للترجمة, لأنه كتاب يكشف عن تحالف إنجلترا مع الولاياتالمتحدة في استخدام الإسلاميين لتحقيق مصالحهما المشتركة, التي كان منها إجبار الاتحاد السوفيتي علي الرحيل من أفغانستان.1989 ويلفت الانتباه أنه بعد هذا التاريخ تعاود الجماعات الإرهابية المتأسلمة ضرباتها المتلاحقة, ابتداء من مذبحة الأقصر1997, مرورا بمذبحة نجع حمادي, وصولا إلي الهجوم علي شرم الشيخ وتدمير فندق بالكامل وقتل تسعة عشر سائحا يونانيا في فندق بالهرم, وما حدث من نسف أتوبيس سياحي بركابه أمام المتحف المصري. وقس علي ذلك غيره من أحداث الإرهاب باسم دين بريء من العنف والقتل. وتمضي القائمة الطويلة إلي الخامس عشر من سبتمبر, حيث حدثت محاولة اغتيال مبارك في إثيوبيا. ولم يكن من المستغرب- والأمر كذلك- الاعتداء علي المفكرين والمثقفين من مبدعي الفكر المدني ودعاة الدولة المدنية. هكذا اغتيل فرج فودة في1992/6/8 بعد حوار عاصف مع الشيخ محمد الغزالي الذي لم يتردد في وصفه بالخروج علي الإسلام, في سياق أدي إلي تعدد فتاوي تكفير هذا المفكر المدافع عن الدولة المدنية الذي دفع حياته ثمنا لأفكاره الحرة. وكانت عناية الله هي التي أنقذت نجيب محفوظ من القتل في14 أكتوبر.1994 أضف إلي ذلك محاولات الاعتداء علي حسن أبو باشا في1984 وعاطف صدقي في11/27/.1993 ولم تتوقف جماعة الإخوان المسلمين, في موازاة جماعات العنف, عن العمل السلمي لاختراق مؤسسات المجتمع المدني والهيمنة علي النقابات, وبعض مسئولي القضاء. ولذلك ظهرت دعاوي الحسبة التي حكمت بالتفريق بين نصر أبو زيد وزوجه. ولولا عدالة قاض أصدر حكما بإيقاف التنفيذ لكانت الفضيحة قد اكتملت. وإذا أضفنا إلي ذلك كله ما كان يقع من اعتداء علي الأقباط, وحرق للكنائس لم يتوقف, يمكن أن نفهم حركة المجموعة الثانية التي كانت في علاقة تضاد مع المجموعة الأولي التي لم تتوقف عن العنف واضطهاد الأقباط في زمن السادات. وكان من الطبيعي أن تتخذ الكنيسة القبطية برئاسة البابا شنودة موقفا رافضا لما يحدث لرعاياها, نتيجة تصاعد عنف الجماعات الإسلامية واعتداءاتها علي الكنائس. ولذلك ظلت العلاقة بين البابا شنودة والسادات في توتر متصاعد, وصل إلي ذروته مع أحداث الزاوية الحمراء التي ترتبت عليها قرارات سبتمبر التي تتضمن إلغاء اعتراف الرئاسة( الساداتية) بباباوية الأنبا شنودة بطريرك الأقباط الأرثوذكس, وذلك قبل شهر واحد من اغتيال السادات. وحتي عندما عاد شنودة إلي منصبه, ظلت العلاقة بينه والرئيس الجديد علاقة متوترة بسبب الاحتقان القبطي الناتج عن أشكال التمييز والاعتداء. ومن ناحية موازية, كانت هناك عمالة مصرية, بعضها إخواني, قد هاجرت إلي الخليج في الخمسينيات, ولحقت بالهجرة الإخوانية الثانية بعد إعدام سيد قطب في منتصف الستينيات, ولم تكف هذه الجماعات المهاجرة عن دعم الموجودين في مصر ولا عن نشاطها الدعوي الذي قارب ما بينها والسلفية الوهابية, وما يوازيها من تزمت ديني في دول الخليج, الأمر الذي ترك تأثيره علي المصريين الذين ظلوا, ولا يزالون, يعودون من الخليج بثقافة أكثر رجعية وتزمتا. ومن ثم يضيفون بالسلب إلي ثقافة التخلف التي لم تكف عن التصاعد في المجتمع. يدعمها إهمال التعليم وتقصير الإعلام الحكومي, وتغلغل أصوات السلفية الوهابية التي سيطرت علي منابر الزوايا والمساجد في القري والمدن الصغيرة والأحياء العشوائية المحيطة بالقاهرة. المزيد من مقالات جابر عصفور