تقود الصين حملة لا هوادة فيها ضد الفساد المستشري في البلاد منذ عقود, وزادت وتيرته مع التقدم الصناعي والاقتصادي الراقي الذي أحرزته الصين منذ تدشين ثورة الانفتاح والتقدم التي قادها الزعيم الإصلاحي دينج شياوبينج في عام.1979 وإذا كنا جادين بالفعل في مكافحة الفساد المتفشي في كثير من المؤسسات والوزارات والجامعات في مصر, فإن تجربة الصين في مكافحة الفساد ومطاردة المتورطين فيه سواء كانوا مسئولين كبارا أو صغارا, تقدم دروسا مفيدة يمكن لنا أن نتعلم منها. وإذا كنا لم نتعلم حتي الآن لا من اليابان ولا الصين ولا كوريا الجنوبية أسباب التقدم الصناعي والاقتصادي, فإنه ربما نتعلم من الصين سبل مكافحة الفساد الذي يمكن أن يدمر أي دولة ويقود إلي سقوطها ووفقا لمنظمة الشفافية الدولية التي تحارب الفساد في العالم من مقرها في برلين, فإن الصين تحتل المرتبة ال75 في قائمة الفساد في حين تأتي مصر متأخرا إلي المركز ال118 من بين180 دولة تراقب المنظمة حالة الفساد بها. وهو مايعني عمليا أن الصين تبذل جهودا كبيرة لمحاربة انتشار الفساد حتي أنها تطبق عقوبة الاعدام علي الفاسدين وليس السجن فقط بينما مازلنا في حالة حيرة وارتباك بعد عامين من ثورة يناير العظيمة نتحسس طريقنا نحو نظام حكم جديد وبالتالي لا وقت لدينا لمحاربة الرشاوي والوساطة والمحاباة في المؤسسات الحكومية والوزارات وغيرها. وإذا كانت الصين يحكمها حزب واحد منذ عام1949 هو الحزب الشيوعي الصيني وحتي الآن, فإنه خلال ال30 عاما الماضية تولي قيادة الصين6 رؤساء أو زعماء للحزب الشيوعي, علي عكس مصر التي حكمها حزب واحد هو الحزب الوطني الديمقراطي المنحل وحكمها رئيس واحد هو الرئيس السابق حسني مبارك, ويعني ذلك أن فرص انتشار الفساد في مصر كانت أكثر من الصين لان بقاء الحاكم فترة تزيد علي أربع أو خمس سنوات يجعل من فرص فساده وفساد مرؤوسيه اكبر بكثير من التغيير. ولا تنكر الصين تفشي الفساد بقطاعات كثيرة من الدولة, بل وداخل الحزب الشيوعي نفسه, غير أنها تقف وبكل حزم أمام انتشار الرشاوي والهدايا ومحاباة الأقارب في الوظائف وتقاوم بكل الوسائل والقوانين المتاحة, بل وتسن قوانين جديدة إذا كانت القائمة غير فعالة, ولاتغمض القيادة الصينية عيناها علي قضايا الفساد أيا ما كان المتورطون فيها. وفي تقرير للبنك المركزي الصيني مؤخرا كشف عن أن18 ألفا من المسئولين المتورطين في الفساد تمكنوا هم وعائلاتهم من الهرب إلي الخارج وتمكنوا من تهريب اكثر من800 مليار يوان صيني أي نحو127 مليار دولار خلال الفترة من عام1995 حتي.2008 وتقول صحيفة تشيفاديلي أن الحملات التي يشنها الحزب الشيوعي بصورة منتظمة لتطهير صفوفه من الفاسدين تمكنت من الإطاحة ب145 ألف عضو في عام2010 وحده, ويتم معاقبة ما بين150 إلي175 ألف شخص بتهم الفساد في الصين سنويا. ويتحدثون في الصين عن ظاهرة تطلق عليها وسائل الإعلام المسئولون العرايا وهم كبار المسئولين المتورطين في قضايا فساد ويقومون بإرسال زوجاتهم وأبنائهم إلي الخارج حاملين معهم أموالا طائلة, وتذكر إذاعة الصين الرسمية قضية تشانج شوجوانج رئيس هيئة السكة الحديد السابق المتهم في قضايا فساد, ويتردد أنه تمكن من تهريب نحو28 مليار دولار أرصدة في بنوك بالولايات المتحدة وسويسرا وتكشف إذاعة الصين عن أن شوجوانج اشتري منزلا فخما في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية ثمنه825 ألف دولار عندما كان مجرد مهندس في القيادات الوسطي بالسكك الحديدية وليس قياديا في ذلك الوقت, وكان راتبه الشهري لايزيد علي2200 يوان أي ما يعادل350 دولارا فقط في الشهر! ومن القضايا الشهيرة الأخري لكبار المسئولين الذين لم تتورع الصين عن ملاحقتهم ومعاقبتهم بتهم الفساد, قضية هوانج جوانجيو الذي تطلق عليه الصحف ملياردير الإلكترونيات والذي صنفته مجلة فوربز علي أنه ثاني أغني رجل في الصين في عام2009 فقد اعتقلته السلطات الصينية ووجهت اليه تهم فساد ويقضي عقوبة بالسجن حاليا. ووفقا لصحيفة تشيناديلي نقلا عن سونج هانسونج مدير اللجنة العامة لمكافحة الفساد, فإن أبرز مجالات الفساد في الصين, هي قطاعات البناء والتراخيص, والسكك الحديدية والنقل والعقارات والقطاع المصرفي, وفي دراسة لمعهد كارتجي للسلام بالولايات المتحدة, عام2007, فإن الفساد يكلف الصين سنويا أكثر من100 مليار دولار أو ما يساوي نحو3% من إجمالي ناتجها القومي البالغ نحو6 تريليونات دولار. ولا تتوقف حملات الصين للقضاء علي الفساد بكل الوسائل, فقد أعلن الحزب الشيوعي مؤخرا عن خطة خمسية جديدة للقضاء علي الفساد وتقوم حاليا بتفعيل1200 قانون خاص بمكافحة الفساد, ويعتمد الحزب الشيوعي حاليا علي سياسة تلزم كل مسئول به كبير أو صغير أن يعلن صراحة أرصدته وممتلكاته هو وأفراد عائلته وأقاربه أيضا, وبعد أن كانت تنشرها علي استحياء أو تتجاهلها فإن وسائل الإعلام الصينية أصبحت تفرد صفحات وتقارير مفصلة بالأسماء والوثائق والاتهامات والعقوبات لكل مسئول متورط في الفساد بل وإعادة نشرها وبثها عدة مرات حتي تكون عبرة لباقي المسئولين, ويقود الحزب الشيوعي حملة تثقيف وتوعية واسعة لكل أشكال الفساد واستقلال النفوذ والسلطات ودعوة الصينيين إلي الالتزام بمعايير النزاهة والطهارة والشفافية في العمل والأداء. ومؤخرا أصبح يتم توزيع منشورات توعية علي المسئولين والموظفين عن كيفية ممارسة السلطة بنزاهة وسبل الانفاق من المال العام بشفافية مع مراعاة عدم الإفراط في الانفاق خاصة فيما يتعلق بالمهمات داخل أو خارج البلاد ودرجات السفر في الرحلات الداخلية والخارجية والإقامة في الفنادق, بل وزيارة الأماكن العامة الترفيهية! وإذا كان من المعروف أنه من المستحيل علي أي دولة في العالم أن تتخلص تماما من الفساد, فإننا نطالب المسئولين في مصر بأن يتعلموا من دروس مكافحة الفساد في الصين, خاصة أن مصر خلال ال30 عاما الماضية جعلت من الفساد ثقافة في كل المؤسسات طالت الغالبية العظمي من الشعب المسكين الذي شعر أنه إذا لم يدخل في منظومة الفساد فإنه لن يجد قوت يومه!