كتب:عبد المجيد الشوادفي: لن ينسي المسلمون مادامت السماوات والارض ذكري ميلاد رسول الاسلام في ربيع الاول من كل عام لأن التاريخ قد اختص محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام منذ أن وجد. وتناول مراحل حياته حتي صارت سيرته مقررا تاريخيا صادقا يهتدي بنوره المصلحون في دعواتهم ويتعلمون منها دروس الفداء والتضحية فيما يؤمنون به من المثل والمبادئ, وكانت حياة رسول الله وسلوكه الشخصي مع الله ومع الناس قبل بعثته توحي بمستقبله العظيم وأنه أعد لرسالة بشريه لهداية العالم واخراجهم من الظلمات الي النور باذن الله. في استعراض للصفات الشخصية للنبي صلي الله عليه وسلم من طفولته الي أن بعثه الله رسولا يهدي للتي هي أحسن ويبشر المؤمنين, يقول الدكتور محمد محمود هاشم عميد كلية أصول الدين بفرع جامعة الأزهر بالزقازيق: لقد خلقه الله سويا وآتاه الحكمة في شبابه ووهبه الصفات الاجتماعية في باكورة حياته حتي صار شابا بارعا ورجلا كاملا يصدق فيه قول الله تعالي:هو الذي بعث من الأميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ومما يروي عن طفولته صلي الله عليه وسلم, أن عظماء العرب كانوا يجلسون تحت ظل الكعبة, وجاء النبي يدب في خطوته فاسترعاهم بجسمه وسمته ونموه فقالوا من هذا الطفل الذي يمشي تكفؤا وينظر الينا نظرة الإساء فقالوا يتيم عبدالمطلب, وذات مرة أراد أن يجلس بجوار جده فشق الصفوف ولكن بعض القوم منعوه وجذبوه من ثوبه فنظر اليهم عبد المطلب وهم يتجاذبونه ويجاذبهم فنادي دعوا ابني وافسحوا له الطريق ليجلس في المكان الذي تحدثه به نفسه فإنه سيكون له شأن.كما روي أنه صلي الله عليه وسلم وهو طفل كان ينام أحيانا مع عمه أبي طالب في داخل غطائه فكان لا يخلع رداءه أثناء نومه مع أحد, وذات مرة أراد الذهاب إلي حفل عرس وعندما وصل الي الدار ليحضره القي الله عليه النوم حتي أيقظته حرارة الشمس في اليوم التالي وفي ذلك يقول عليه السلامأدبني ربي فأحسن في تأدبني. ولما بلغ الرسول العاشرة من عمره وبدأ دور شبابه المبكر خرج مع عمه أبي طالب في ركب التجارة الي الشام ليتدرب علي دروب التجارة وأنواع الرحلات خارج مكه فلما نزل الركببصري وكان بها راهب مسيحي يقال له بحيري في صومعه له فرأي رسول الله حين أقبلوا وجلس تحت ظل شجرة قريبة منه وغمامة قد أظلتها وعندها نزل الراهب من صومعته وصنع وليمة ودعا هؤلاء القوم إليها وقال يامعشر قريش احب أن تحضروا صغيركم وكبيركم فلما حضروا قال الراهب كان معكم غلام نظرته, فقالوا قد تخلف لصغر سنه فقال لا طعام لكم حتي يحضر فأحضروا محمد بن عبدالله عليه السلام فلما رآه بحيرينظر الي أشياء في جسده كان يجدها عنده من صفاته ثم نظر الي ظهره فوجد خاتم النبوة بين كتفيه ثم قال ياأبا طالب ماهذا الغلام منك قال ابن أخي قال فارجع به واحذر عليه من اليهود. ولما بلغ الرسول الرابعة عشرة من عمره كانت حرب الفجار وقد اشترك فيها كثير من القبائل بمكة وغيرها فطلب إعمام رسول الله أن يكون معهم في تلك الحرب ليتدرب علي القتال ويتعلم فنونها قال النبي:كنت احضر السهام وأرد عن أعمامي نبل العدو. ويضيف الدكتور محمد هاشم قائلا: في سن الخامسة عشرة ألف النبي حلفا فاختار جماعة من الشباب ودخل بهم دار سيدنا عبدالله بن جدعان وقال لهم في مكة ظلم كبير واستغلال خطير والمظلوم لايجد من ينصره والضعيف لايجد من يعفه ومال الأيتام ضائع وحاجة الأرامل مهملة والقوي يأكل الضعيف ونريد أن نؤلف حلفا حزبا قانونه أن نحافظ علي أموال اليتامي من الاستغلال وتراث الأرامل من الضياع وأن نقف بجانب المظلوم والضعيف حتي يأخذ كلاهما حقه وتعاهدوا علي ذلك, وفرح المنصفون من رجال مكة بهذه الجماعة التي يرأسها الشاب الصادق الأمين وكان أصغرهم سنا وذاعت شهرته ولم يكن يبلغ العشرين من عمره وطلبت خديجة بنت خويلد وهي من أغني تجار مكة ومن ذوي الشرف والنسب من النبي محمد أن يعمل في تجارتها لما بلغها عنه من صدق الحديث وعظم الأمانة وكرم الخلق فقبل رسول الله وخرج بمالها الي الشام ومعه غلامها ميسرة فنزل النبي تحت ظل شجرة بجوار صومعة لأحد الرهبان فنظر الراهب الي ميسرة وقال له من هذا الرجل فقال ميسرة رجل من قريش أهل الحرم فقال الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي. ولما بلغ رسول الله الخامسة والعشرين عرضت خديجة نفسها لتتزوجه وتم الايجاب والقبول بينهما بحضور عم خديجة عمرو بن أسد وعم النبي أبوطالب وشهد علي ذلك ملأ من قريش, وفي سن الخامسة والثلاثين اجتمعت قريش لبنيان الكعبة وجعلوا لكل قبيلة منهم قسما لبنائه وكان رسول الله يتنافس معهم في نقل الحجارة حتي انكشف بعض جسده فإذا بمن يلكمه في صدره لكمة شديدة كاد يقع منها علي الارض فأسنده عمه العباس وسمع من ينادي شد عليك إزارك قال رسول الله فلم أبصر من ناداني ومن لكزني فشددت إزاري وصرت أحمل الحجارة علي رقبتي.. وعندما بلغوا في البناء موضع الحجر الأسود الذي يبدأ منه الطواف تخاصمت القبائل وكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر ووضعه في مكانه واشتد الخلاف بينهم لدرجة الاستعداد للقتال وعندما خرج عليهم عبدالله بن مخزوم وكان أكبرهم سنا وقال يامعشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون اول من يدخل عليكم ليقضي بينكم فكان اول من دخل رسول الله فلما رأوه قالوا هذا الأمين رضينا بحكمه فطلب النبي إحضار غطاء كبير ووضع الحجر وسطه ثم دعا القبائل ليأخذ كل منها طرفا ثم رفعوه وساروا به الي موضع الركن ورفعه رسول بيده ووضعه في مكانه وبذلك انقضي النزاع. وهذه هي بعض المزايا والسلوكيات الخلقية والنفسية التي حفظها التاريخ الاسلامي للنبي التي تمثل المعالم العامة لشخصيته في مراحل ما قبل النبوة, والتي باتت البشرية في حاجة ملحة الي التمسك والاقتداء بها في عالم اليوم.