في كل مرة يعقد فيها مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية, يتم التساؤل عما إذا كان المؤتمر سينجح أم لا, وإذا تم الاستناد علي الخبرة التاريخية لتلك المؤتمرات, فإن الإجابة ستكون سهلة للغاية وهي أن المؤتمر سوف يفشل, فمن بين7 مؤتمرات سابقة عقدت منذ عام1975, تشير التقديرات السائدة إلي أن6 منها قد فشلت في تحقيق نتائج محددة, والاستثناء الوحيد تقريبا هو مؤتمر عام1985, مع تقديرات مختلفة لأوضاع مؤتمرات عامي1995 و2000, من حيث النجاح والفشل, ففي أحدهما تم التوصل إلي توافق حول تمديد المعاهدة لأجل غير مسمي, وفي الثاني تم التوصل إلي وثيقة نهائية متفق عليها, لكن ظلت العقدة مستمرة, فتلك المؤتمرات لا تنجح, أو هكذا يعتقد. في هذه المرة, تزداد المسألة تعقيدا, فهناك أزمات حادة تحيط بمؤتمر نيويورك 2010, بشأن إيران وكوريا الشمالية, وأسئلة جوهرية حول مستقبل الانتشار النووي تتجاوز موقع المعاهدة في تلك العملية, وتطورات مستجدة لا يوجد تقييم متفق عليه بخصوصها, فيما يتعلق بالبرامج المدنية والأمن النووي, والنموذج الهندي, في ظل تعقيدات لاتتيح إصدار أحكام بسيطة بشأن أي بند من بنود جدول الأعمال, وبالتالي تجاوز الأمر فكرة النجاح والفشل عموما, وأصبح المعيار الحقيقي, هو مايمكن ان تحققه أو لا تحققه كل دولة, بالنسبة لقضاياها, في سوق إستراتيجية تنعقد بمناسبة مراجعة المعاهدة, وأولي تلك الدول مصر. إن مصر حالة بارزة لدولة لديها مصالح أمنية محددة ذات طابع نووي, تتعلق أساسا بمنطقة الشرق الأوسط, وتتحكم في توجهاتها النووية, ويمكن علي أساسها تقييم ما إذا كان المؤتمر سينجح بالنسبة لها ام لا, بصرف النظر عما سيحدث في اتجاهات أخري, أهمها مايلي: 1 إزالة الأسلحة النووية الإسرائيلية, وهو هدف أولي يتعلق بتأثير حالة الاحتكار النووي الحالية, علي أمن ومصالح مصر في المنطقة. 2 عدم امتلاك إيران أسلحة نووية, فهناك مصلحة مصرية في عدم امتلاك إيران, أو أي طرف إقليمي آخر, أسلحة نووية, إذ سيؤدي ذلك إلي تحول' حالة الاحتكار' إلي' حالة انتشار' تتبدد معها احتمالات الإخلاء النووي, كما يمكن أن يوجد ذلك أوضاعا ضاغطة, تضطر مصر إلي التفكير في خيارات نظرية لاتخدم توجهاتها الراهنة. 3 استكمال مشروعها الخاص بإقامة برنامج واسع النطاق للطاقة النووية, فالتقديرات السائدة بشأن احتياطيات البترول والغاز, وتضخم نسب دعم الطاقة في الميزانية العامة, وتطور احتياجات مصر من الطاقة, وربما المياه مستقبلا, يجعل أمن الطاقة, عبر الخيار النووي المدني, مصلحة قومية عليا. وبالطبع, هناك مصالح أخري, لكنها أقل أهمية, تتعلق بدور مصر في السعي نحو إزالة الأسلحة النووية عالميا, وهو دور مهم لمكانتها الدولية التي كانت قائمة طوال الوقت, ومنع حصول أي جماعات إرهابية, أو فاعلين غير حكوميين علي مواد أو تكنولوجيات نووية. إستنادا علي ذلك, فإن أهداف مصر المفهومة, هي أن تؤدي عملية مراجعة المعاهدة إلي تدعيم قدرة مصر علي التعامل مع مصادر التهديد النووية القائمة والمحتملة, المحيطة بها, أو لاتعرقل ذلك, كما يجب ألا تؤدي التطورات المتعلقة بمراجعتها, إلي تقييد قدرة مصر علي إنشاء برنامج الطاقة النووية الخاص بها, أو أن تدعم ذلك, فكيف يمكن تحقيق ذلك؟ إن هناك مشكلتين كبيرتين ترتبطان بالمعاهدة, وتؤثران بصفة عامة علي الموقف المصري منها, أو هكذا يتصور, هما: 1 أن القضية منذ فترة ليست بالقصيرة, قد أصبحت' النظام وليس المعاهدة', فقد تم الاعتياد علي القول بأن المعاهدة هي حجر الأساس في النظام الدولي لمنع الانتشار النووي, وبدون تفاصيل, لم يعد الأمر كذلك, فقد تم تفكيك المعاهدة إلي معاهدات فرعية تتعلق بالتجارب النووية, والمواد النووية, وظهرت ترتيبات خاصة في إطار نادي لندن ومجموعات فاسينار وزانجر, للسيطرة علي تداول التكنولوجيات الحساسة مزدوجة الاستخدام, وأصبح القطاع الأكبر من تفاعلات منع الانتشار يتم خارج المعاهدة, عبر آليات مختلفة, منها' السياسات المنفردة' للدول الكبري كالولايات المتحدة. 2 أن القضية الثانية منذ فترة طويلة, قد أصبحت' الأسلحة وليس القدرات' النووية, فمعظم المشكلات المثارة علي ساحة منع الإنتشار النووي حاليا تتعلق بدول تمتلك أسلحة نووية فعلا, وليست باستثناء إيران دول تحاول امتلاك أسلحة نووية, وتتمثل مشكلة تلك الدول في أنها غير موقعة علي المعاهدة, أو قامت بالانسحاب منها, أو تحاول الانضمام إلي' إطارها' دون أن تفقد وضعها, وقد كان جوهر التزامات المعاهدة يتعلق طوال الوقت, بمنع تحول المواد النووية إلي أسلحة نووية, بينما أصبحت الأسلحة علي الساحة بالفعل, علي نحو يتطلب نقاشا. إن أهمية هاتين النقطتين بالنسبة لمصر هي أن سياستها تجاه القضايا النووية, لاتزال تركز علي المعاهدة كمحور رئيسي لتحركاتها, ومن الصحيح أن هناك خطوطا مصرية موازية تتعلق بمحاولة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية, كما أن هناك إدراكا محددا من جانب الخارجية المصرية للتحولات المرتبطة بالمعاهدة علي نحو أدي إلي تغير شكل التصريحات المرتبطة بها, إلا أن' الخطاب العام' في مصر, لايزال يعتبر أن المعاهدة هي الحل, رغم أنها لم تعد كذلك. لكن مشكلات مصر مع المعاهدة تتجاوز ذلك بكثير إلي قضايا محددة تتعلق مباشرة بحالة مصر, علي نحو شكل سياسة حانقة نسبيا تجاه المعاهدة التي يتم التمسك بها, أهمها مايلي: 1 إن مصر واحدة من الدول المنضمة إلي المعاهدة توقيعا وتصديقا, فقد كان من الممكن أن تكون مصر في وضع أفضل, لو اتبعت تاريخيا نفس المواقف التي تبنتها الهند وباكستان, أو البرازيل والأرجنتين, وهي دول ربطت توقيعها علي المعاهدة بتوقيع الأطراف المناوئة لها نوويا, ولم توقع دول جنوب آسيا عليها معها, ووقعت دول أمريكا اللاتينية عليها معا, لكن مصر سارت في طريق من جانب واحد, وأصبحت ملتزمة بها, وقد تمكنت من إيجاد صيغة للمطالبة بتعديل الموقف, عبر الحديث عن عالمية المعاهدة, لكن الوضع العام ليس جيدا. 2 أن المعاهدة لم تساعد مصر في التعامل مع مصادر التهديد النووية التي تتعرض لها, فبفعل عدم وجود عقوبات محددة, ومعايير مزدوجة, بالنسبة للدول التي لم تنضم للمعاهدة, بقيت إسرائيل خارجها, مقررة أنه يجب مطالبتها بالالتزام بشيء لم تنضم إليه, وتأثرت فقط قدرتها علي بناء برامج نووية سلمية, ومع الوقت أدي امتلاك إسرائيل لأسلحة وليس مجرد خيارات نووية, إلي تقليص قدرة المعاهدة علي التعامل مع الموقف, بصفة عامة. 3 أنه لا توجد علاقة واضحة بين اضمام مصر للمعاهدة, وبين قيام أو عدم قيام برنامج مدني للطاقة النووية داخلها لفترة طويلة, فقد تمكنت مصر من إقامة أقوي برنامج نووي بحثي في المنطقة, بينما لم تسر بنفس الصورة في اتجاه برامج الطاقة النووية, رغم أنها صدقت علي المعاهدة لهذا الغرض, ويمكن قول الكثير حول الفرص والمشاكل التي واجهت هذا المسار, لكن عموما, لم تكن المعاهدة عامل دعم واضحا, يجنب مصر مشاكل الموردين الذين بدا أحيانا أن بعضهم يتبني فكرة' المطالب الإضافية' في ظل عدم اقتناع بكفاية المعاهدة. في هذا السياق, فإن الموقف المصري, مرة أخري, في إطار تلك المشكلات, وفي ظل التفاعلات الحالية داخل مؤتمر مراجعة2010 في نيويورك, سوف يستمر علي الأرجح- في تبني اتجاه أن تؤدي عملية المراجعة إلي تدعيم قدرة مصر علي مواجهة مصادر التهديد النووية, وألا يتم السماح بأي تعديلات تقيد قدرتها علي بناء برنامجها النووي السلمي, لكن في ظل الظروف الحالية التي تشير إلي محاولة إسرائيلية مؤكدة لتطبيع وضعها النووي, ومحاولة إيرانية مؤكدة لتسييس حالتها النووية, علي مصر أن تضيف هدفا ثالثا, وهو ألا تعرقل المعاهدة قدرتها علي بناء' وضع نووي' يمنع اللاعبين النوويين في الإقليم من التمادي فيما يقومون, أو قد يقومون به في الفترة القادمة. إن التقارير الواردة عن تحركات مصر في نيويورك, والتصريحات الرسمية التي تصدر عن الوفد المصري هناك, تشير إلي استمرار عمل مصر في اتجاه إعادة التأكيد علي الاعتراف الدولي بضرورة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية( أو أسلحة التدمير الشامل) في الشرق الأوسط, وإن كان ذلك القرار لم يعد يكفي, فهناك حاجة إلي إعادة التداول حول الفكرة ذاتها, وأساليب تحقيقها, وربما إحداث تعديلات فيها, لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك, هو مايلي: 1 مقاومة أي توجهات تتعلق بفرض البروتوكول الإضافي كجزء من نظام ضمانات المعاهدة, أو تعديل ترتيبات الانسحاب من المعاهدة باتجاه منعه, فمن الممكن أن يخلق ذلك أوضاعا تخل بالتوازن الحاكم لتوجهات مصر النووية, في التعامل مع التهديدات النووية الإقليمية. 2 عرقلة أي محاولات لتقييد حق الدول المنضمة إلي المعاهدة, بشكلها الأصلي, في الحصول علي المواد النووية, أو المعدات النووية, أو التكنولوجيات النووية, اللازمة لبرامجها المدنية, بأساليب مختلفة, بحجة الحساسية التكنولوجية, أو ازدواج الاستخدام, مادامت أن الدول تلتزم بالمعاهدة. الأكثر أهمية هو منع إنتشار أي نوع من أنواع التفكير داخل' الجماعة النووية' الدولية في اتجاه الاعتراف بدول الأمر الواقع النووية, كإسرائيل, بوضعها الحالي, في ظل أي إطار يتعلق بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية, والوقوف ضد أية أفكار بشأن القنابل الديموقراطية, او' النموذج الهندي', وإبقاء العزل النووي المدني حول تلك الدول. وهكذا يمكن تقييم ما إذا كان المؤتمر قد نجح( بالنسبة لمصر), أم لا, بصرف النظر عما إذا كانت الاسلحة النووية عموما ستظل قائمة علي الساحة الدولية أم لا.