في مظهر حضاري تم في رئاسة الجمهورية, منذ أيام قليلة, توديع الأستاذ فاروق العقدة محافظ البنك المركزي المستقيل, وإعلان ترشيح السيد هشام رامز, نائبه السابق, خلفا له. والبنك المركزي المصري من المؤسسات المصرية العتيدة التي أعطت لمصر مكانة خاصة في الدول النامية. ذلك أن البنك الأهلي المصري, الذي أخذ دور بنك الإصدار وبنك الحكومة منذ عام1898, يعتبر الأول في إفريقيا والدول العربية, ومعظم دول آسيا التي كانت ترزح تحت الاحتلال. وبينما كانت دول المنطقة تتعامل بعملات الدول الاستعمارية الكبري من جنيه إسترليني, وفرنك فرنسي, وليرة إيطالية, كانت لمصر عملتها المعترف بها والمغطاة بالذهب والعملات الأخري. وكان الجنيه المصري حتي ثورة يوليو1952 يفوق الجنيه الإسترليني في القيمة ويساوي مايقرب من أربعة دولارات أمريكية. ولقد نأي قانون البنك المركزي المصري( رقم88 لسنة2003) بالبنك المركزي عن أنواء السياسة, وجعله مستقلا عن الحكومة ويتبع رئيس الجمهورية, الذي ينفرد بتعيين رئيسه, وقبول استقالته. ولقد نجح المحافظون الأفذاذ الذين تولوا هذا المنصب منذ انفصال البنك المركزي عن البنك الأهلي في عام1961, في وضع قواعد راسخة تحافظ علي استقلال البنك, وحصانته. ومن هذه السياسات عدم الإكثار من الظهور في الإعلام, واتباع مبدأ ما قل ودل. ومع كل هذه الإنجازات الباهرة, لعل المرحلة الحالية تتطلب أن نعيد النظر في مسئوليات البنك المركزي, والبحث في مدي اتفاق ممارساته السابقة في تحقيق مطالب الثورة المصرية. وسوف أتناول خمسة جوانب مما أعتقد أنها متطلبات جديدة علي البنك المركزي المصري. أولا: من أهم أدوار البنك المركزي أن يكون المستشار الاقتصادي للحكومة. وذكر هذا الدور علي استحياء في القانون2003/88 وقال إن هذا يتم من خلال لجنة خاصة للتنسيق بين الحكومة والبنك, ربما حفاظا علي استقلال البنك. مع ذلك في ظل غياب وزارة الاقتصاد التي ألغتها وزارة عاطف عبيد التي أطلقت العنان للسوق الحرة غير المنضبطة, قد يكون من الملائم استعادة البنك المركزي لهذا الدور بالتنسيق مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أقرة الدستور الجديد. ثانيا: الحاجة إلي توسيع أهداف البنك المركزي في دعم التنمية الاقتصادية. وفي الفترة الماضية ألزم القانون أن يركز البنك المركزي علي تثبيت الأسعار ومكافحة التضخم وحماية سعر الصرف, وكلها أهداف قيمة. مع ذلك يتفق الاقتصاديون أن هناك أولويات أخري مثل تسريع معدلات النمو ومكافحة البطالة التي يجب موازنتها مع الأهداف الأخري. ثالثا: هناك حاجة إلي زيادة تواصل البنك المركزي مع الجمهور العام وجمهور الاقتصاديين. وبرغم التزام البنك المركزي بإصدار بيانات دورية, فإنها تعرض علي الموقع الإلكتروني, ربما لأسباب تقنية, بشكل مفكك وغير واضح. وحضور عالمي. رابعا: نري أن البنك المركزي مع تركيزه علي تحسين الوضع المالي للبنوك, قد فضل عدم التدخل بشكل كبير في العلاقة بين البنوك والجمهور, واستغلت بعض البنوك هذا التساهل, فأرهقت العملاء بالعمولات والرسوم المنظورة وغير المنظورة, وفي أحيان أخري اتبعت سياسات إعلانية غير شفافة ورطت المقترضين في مديونيات وأعباء هائلة. وفي الولاياتالمتحدة والدول الرأسمالية الراسخة هناك قوانين تشجع الشفافية في الإقراض, وتحمي المقترض الصغير. خامسا: يجب أن يكون البنك المركزي قدوة في اتباع سياسة عادلة للأجور, وأن يحث باقي البنوك علي اتباع مثل هذه السياسة. ولقد رأينا كيف أن النظام السابق, في إطار ما أسماه جهود إصلاح بنوك القطاع العام قد ضمن قانون البنك المركزي, الذي أسهم في صياغته الدكتور يوسف بطرس غالي وعدد من المانحين الأجانب, مادة غريبة( المادة96) لانري لها مثيلا في قوانين البنوك المركزية في العالم قاطبة, وتنص علي إنشاء صندوق أسود يمول بواقع5% من الأرباح القابلة للتوزيع لبنوك القطاع العام إلي جانب هبات ومنح أجنبية, وموارد أخري, وتستخدم هذه الموارد في دفع حوافز ورواتب إضافية لقيادات القطاع المصرفي. ولقد أثبتت التجربة أن هذا الصندوق الخاص, الذي استخدم في تعيين ومكافأة المحاسيب وأقارب المسئولين, كان أحد أكبر المخالفين لمبدأ العدالة في الأجور وأدي إلي الكثير من المظالم وإلي تقويض الروح المعنوية لغالبية العاملين في القطاع المصرفي. من الواجب بعد أن خرج القطاع العام من أزمته, ووصلت أرباحه إلي مبالغ طائلة, أن يتم إلغاء هذا الصندوق, وأن تعود هذه الأموال إلي ميزانية الدولة, وأن يقرر كل بنك هيكلا للأجور يتناسب مع قواعد الكفاءة ومتطلبات العدالة في الأجور التي قررها الدستور. وهكذا ونحن نرحب بالقيادة الجديدة للبنك المركزي, ونتمني لها التوفيق, نأمل أن تكون السياسة النقدية والمالية في خدمة التنمية في مصر, وأن يكون البنك رائدا للسياسة الاقتصادية, وخادما للبحث والحوار الاقتصادي في المجتمع, وأن يكون مثالا يحتذي في الشفافية والالتزام بمتطلبات مجتمع مابعد ثورة يناير المجيدة. أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية