أثارت زيارة الداعية الإسلامي السعودي الشيخ محمد العريفي إلي مصر جدلا واسعا بين مؤيدي الزيارة والمعترضين عليها. والأمر أبسط مما صوره البعض, فلا الشيخ جاء إلي مصر حاملا معه فكرا وهابيا كما زعم بعض المعترضين, ولا كان يسأل لمصر تبرعا أو صدقة. ولا تعكس زيارته لأرض الكنانة موقفا سعوديا رسميا ولا غير رسمي. فالرجل ليس من المحسوبين علي دوائر السياسة والحكم السعودية ولم يكن يوما من المقربين ولا المتقربين إليها. فمنتقدو زيارة العريفي لمصر يغفلون أنها لم تأت بطلب منه وإنما تلبية لدعوة من شيخ الأزهر. لذا كان الأجدر التفكر في آراء الشيخ ومضمون مبادرته, وليس في مكانها. يحسب للشيخ العريفي أنه كان شديد الحذر والتحفظ لدي الحديث عن الوضع السياسي الداخلي في مصر, حتي لا يتهم بالتدخل في شئون المصريين. بل إنه أشار إلي مؤامرات تحاك ضد مصر في الخارج وتجنب ذكر وجود أدوات وأذرع لتلك المؤامرات بالداخل. ولو قال ذلك لحوكم إعلاميا وربما لوحق قضائيا بتهمة التحريض وزرع الفتنة بين المصريين. زيارة الشيخ إلي مصر حملت رسالتين أساسيتين: الأولي إلي المصريين بألا تفتنهم المحنة فيكفروا بالثورة. لذا كانت المطالبة بالصبر وتأكيد أن الفرج قادم. ونظرا لأن المحنة/ الفتنة اقتصادية خصوصا لجموع البسطاء من المصريين; تبني الشيخ المدخل الاقتصادي في تبشيره بأن الخير قادم. رغم أن الفكرة في جوهرها ديني, سواء في تعارض الافتتان بالمحنة مع اليقين, أو في تلازم الصبر مع أخذ الأسباب. المصريون بحاجة إلي الثقة التي حاول العريفي إحياءها. فثلاثة عقود قبل الثورة عمقت الإحساس بالتدني وتخلف المصريين عن بقية الشعوب. وبعد عامين من الثورة فإن شعار عيش, حرية, كرامة إنسانية فقد بريقه ويكاد يخبو. ولم يهتم رموز الفكر وقادة الرأي باستنهاض همة المصريين. وانشغلوا بالصراع علي السلطة; ولم يفكروا في مخاطبة المواطن مباشرة وإعادة الثقة إليه أو تحفيزه علي المشاركة والإيجابية سواء كفرد أو كعنصر في منظومة متكاملة هي المجتمع. الرسالة الثانية للعريفي, دعوة محبي مصر ومن لها فضل عليهم, إلي ضخ أموالهم واستثماراتهم فيها. وهنا أيضا تعرض الرجل لهجوم حجته أن مصر لا تتسول وليست في حاجة لمن يجمع لها أموالا. وكأن المساعدات الأجنبية فقط هي المقبولة بل مرغوبة بشروطها وقيودها. أما السيطرة علي مصر والتحكم في قرارها; فهدف رؤوس الأموال العربية أو الإسلامية فقط. كان المفترض أن تخرج تلك الدعوة من ذوي العلاقات الوثيقة خارجيا والمكانة المرموقة عالميا. لكن استقواء هؤلاء بالخارج كان في جوهره استعداء ضد مصر ومعاقبة شعبها, وليس الضغط علي حكامها. من ثم فلا وجه لانتقاد تحرك العريفي من أجل مصر, في وقت أحجم هؤلاء عنه, بل ساروا في الاتجاه العكسي, وهم مصريون. وبدلا من فضحهم وتعرية مواقفهم, تستمر بعض وسائل الإعلام في الهدم المعنوي والتحريض الاجتماعي بين المصريين. الأمر الذي يفضي في أقل الأضرار- إلي إثارة الهلع وبث الفرقة بين مختلف شرائح المجتمع, وليس علي مستوي النخبة المنقسمة علي نفسها أصلا. زيارة العريفي ومبادرته من أجل مصر والمصريين, تؤكد مجددا أن رجال الدين هم الأحرص وليسوا فقط الأقدر- علي التواصل مع المواطنين واستخراج طاقاتهم. ولو بدفعة معنوية وتأجيج لمشاعر وطنية خالصة, الدين محفز لها فقط. علي رجال الدين المصريين استكمال خطوة العريفي, وحري بشيوخ مصر وقساوستها تبني مبادرات مماثلة بل مشتركة, لإحياء واستثارة الروح الوطنية المصرية التي تكاد تختنق بأيدي بعض أبنائها قبل غيرهم. المزيد من مقالات سامح راشد