تواصلا مع مقالي السابق عن خطورة استمرار عمليات التضليل الإعلامي, واقتراح مواجهته بفرض غرامات مالية, من خلال إنشاء لجنة إعلامية مهنية, تعاقب من يتجاوز أو يختلق أو يتعمد الكذب, أرسل لي الصديق العزيز د. حسن علي, أستاذ الإعلام بجامعة المنيا, دراسة علمية صدرت في الأسبوع الماضي عن المخالفات المهنية, التي تم رصدها لعدد كبير من وسائل الإعلام. وسوف أقتطف هنا بعض الفقرات المهمة, رغم أن كل الدراسة مهمة, حيث تتساءل في البداية:' أين جمهور وسائل الإعلام من أساليب الخداع التي مارستها وسائل الإعلام قبل وأثناء وبعد الاستفتاء؟ أين ذلك من محاولات إخراج المسئولية الاجتماعية لوسائل الإعلام, وإلقائها تحت أحذية السياسيين مرة أو المنتفعين من رجال الأعمال مرات؟ بل يجري الآن إخراج المسئولية الاجتماعية والمجتمعية, بدعوي حرية الإعلام ومكتسبات الثورة من الحرية التي أوشكت أن تكون فوضي! وتشير الدراسة علي سبيل المثال إلي المرتكزات الدعائية غير الأخلاقية التي صاحبت مع أو ضد الدستور إلي حد تلفيق مشروع دستور غير المعروف, وبثه عبر الإنترنت وطبعه وتوزيعه دون ضمير وطني, إلي جانب بروز حرب المصطلحات الإعلامية مثل:( الإرهابيون, اللصوص, القتلة) وهي أوصاف أطلقها التيار المعارض ضد التيارات الإسلامية عامة والإخوان خاصة في مقابل( الكفرة, الملاحدة, الخونة, عملاء, فلول) أوصاف أطلقتها بعض وسائل التيار الاسلامي. وتضيف الدراسة العلمية المهمة أن من بين أساليب الخداع التي استخدمتها بعض وسائل الإعلام, أن صحفا حزبية أطلقت وصف( شباب الثورة) علي من حاول تعطيل المترو في مقابل إطلاقها علي شباب الحركات الاسلامية وصف( ميليشيات الاخوان) مع أن الاثنين مصريان, كما استخدمت مصطلح( اعتصام شباب الثورة أمام الاتحادية) في وصف المعارضة و(اعتصام المراحيض) في وصف معتصمي مدينة الإنتاج الإعلامي من شباب التيار الاسلامي, وغير ذلك من أساليب الخداع! وتتحدث الدراسة الخطيرة عن أساليب التعميم غير المنصف في الخطاب الإعلامي في كثير من وسائل إعلام الفرقاء, وكيف وقع الجميع في براثن شيطنة الآخر, حيث فجأة أصبح كل الإسلاميين( كذابين وإرهابيين وطالبي سلطة و(حرامية) ثورة!), وأصبح كل التيار الليبرالي واليسار بأطيافه المختلفة( كفرة وملاحدة ومتآمرين) وكيف أنتج هذا الشحن الإعلامي والاحتراب والمبالغات, حالة غريبة علي الإعلام المصري, الحكومي والخاص, حيث بالغ الجميع في لدد الخصومة. وتتهم الدراسة هذه الوسائل الإعلامية باستخدام تكنيكات دعائية صهيونية مثل: الكذب, والتشويه المتعمد, والارتباط المزيف, وتحقير الخصوم, ونعتهم بألفاظ تخرج عن المهنية, كل ذلك تم علي نطاق واسع, فنال من مصداقية الكثير من الخطاب المعارض, مما أربك الرأي العام, وقلل من اليقين عند من يرغبون في التصويت بنعم, وزاد من عدد أصوات من قالوا لا, ومن المؤكد كما تقول الدراسة, أننا مازلنا بحاجة إلي فهم عميق لأدب الاختلاف, وتقدير الرأي والرأي الآخر. أهم ما في الدراسة البحثية غير المسبوقة علي حد علمي, وهي من إعداد' جمعية حماية المشاهدين والمستمعين والقراء' بالقاهرة, أنها وثقت كل الاتهامات بالخروج المتعمد عن المهنية والموضوعية, واستخدام الكذب وتحقير الخصوم, في عدة صحف قومية وحزبية وخاصة, ومن خلال متابعة دقيقة لعدد من الإذاعات وقنوات التليفزيون والفضائيات الرسمية والخاصة, وهو ما أعتبره بلاغا مفتوحا إلي معالي السيد وزير الإعلام, وإلي المجلس الأعلي للصحافة ونقابة الصحفيين. ومازلت أري ضرورة مواجهة التضليل الإعلامي, عبر محاسبة من يخطئ مهنيا, لردع من يتخذ من هذه الحرية, التي انتزعناها بالأرواح والدماء الزكية, ستارا للكذب والغش والتدليس, وأهلا بالإعلام الحر الأمين. المزيد من مقالات بدر محمد بدر