انتهت انتخابات الصحفيين على خير وبأقل خسائر ممكنة، فاز زميلنا الكاتب المخضرم مكرم محمد أحمد بمنصب النقيب مجددا بعد معركة قوية زاد من حدتها عدم حسمها فى الجولة الأولى . فوز مكرم مكسب كبير للجماعة الصحفية، ودليل على أن رسائل التضليل لا تزال لاتجد طريقا فعالا بين الجماعة الصحفية، بل على العكس يدل فوز مكرم على حسن تقدير العقل الجمعى للجماعة الصحفية للموقف وانحيازه إلى المرشح الأكثر فعالية فى إدارة مشكلات المهنة والنقابة. قبل أن أتعرض لملاحظتى الأولى على ماجرى فى الأسبوع الأخير قبيل انتخابات الإعادة أعتبر أن فوز مكرم لا ينتقص من قدر زميلنا المرشح المنافس ضياء رشوان الذى دخل المنافسة ضد مكرم صاحب الرصيد الكبير مهنيا ونقابيا فى المجتمع المصرى وليس فى الجماعة الصحفية وحدها، بل أعتقد أن حصوله على فرصة الإعادة يعتبر مكسبا كبيرا لا يستهان به فى حد ذاته. أما الملاحظة الأولى التى أحب أن أوضحها فهى حول أسلوب التضليل فى الدعاية الانتخابية، وهو ما يعنى السعى إلى إيهام المجتمع الانتخابى بوصف غير حقيقى للمرشح المنافس فى توقيت قد يكون قاتلا لا يتيح كشف الحقيقة أمام الناخبين، وقد يكون التضليل بتحميل ألفاظ ومصطلحات معينة بمدلولات معيبة فى نظر الجماعة الانتخابية على غير الحقيقة والواقع. فى الأسبوع الأخير الشهير بين يومى أحد الانتخاب الأول وبين الإعادة تردد فجأة أن الحواسب الآلية التى وعد مكرم بتوزيعها على شباب الصحفيين المتدربين فى النقابة هى هدية من إسرائيل لدعم مكرم، أذاعت ذلك جريدة إلكترونية تابعة للجماعة المحظورة. الحقيقة أن مكرم ليس رجل التطبيع مع إسرائيل ولا يمكن لرجل له حجم خبرة مكرم أن يتورط فى شىء من هذا القبيل، وله رأى منتشر ومعروف كمفكر عن استخدام ورقة التطبيع فى الضغط على إسرائيل وتقوية موقف المفاوض الفلسطينى، ليس هنا مجال مناقشة أفكار مكرم بالنسبة لإسرائيل ولكن ما أريد التأكيد عليه أن النظرة الأولى والثانية للخبر تكشف أنه خبر موضوع وزائف لا يهم من أطلقه إلا حالة الارتباك المؤقت التى قد تحدث لدى بعض من يعرفون وينكرون، وآخرين لا يعرفون أسلوب التحليل لكشف التضليل فى المعلومات. على الجانب الآخر انطلقت دعاية تصف ضياء رشوان بأنه ينتمى إلى الجماعة المحظورة، وما نعلمه أن زميلنا ضياء تخصص فى دراسة شئون الجماعة من الناحية الأكاديمية فأصبح قريبا منها ويقوم بعمله من خلال مؤسسة قومية كبرى هى الأهرام، ربما يرى البعض هذا الاقتراب من الجماعة المحظورة بغرض الدراسة مسوغا لوصفه بالانتماء إليها، ولكن ذلك خلط معيب فى التناول والتحليل لا يصح إلا كان القصد منه الإمعان فى التضليل . يقول البعض هكذا هى الانتخابات، المناورة فيها قد تشمل ضربات تحت الحزام، ولكن استخدام هذا الأسلوب فى الجماعة الصحفية غير مقبول لما يفترض فيهم من الوعى وثيق الصلة بوظيفة الصحافة ومهمتها فى تنوير الرأى العام، فما بالك باستخدام تلك الجماعة الصحفية لأسلوب التضليل فيما بينها! الملاحظة الثانية كانت حول محاولة تقسيم أعضاء النقابة بين مؤيدى الاستقلال وبين غيرهم، هذا الطرح ليس خاصا بالجماعة الصحفية وإنما سبق أن سمعناه عند القضاة فى انتخابات ناديهم، ونسمعه يتردد أيضا فى الجامعات وغيرها. يروج نوع معين من الصحافة فى مصر لما يسمى نفسه بتيار الاستقلال فى القضاء وفى الجامعات وغيرهما، وأخيرا سمعنا من يقول أو يدعو إلى نقابة صحفيين مستقلة، الدعوة إلى نقابة مستقلة تضمنت اتهاما لمكرم بأنه يفرط فى استقلالية النقابة، وهذا الاتهام يدخل أيضا فى سياق حملة التضليل نظرا لاستخدام مصطلح الاستقلال فى غير محله. دعونا نسأل أولا عن مفهوم الاستقلال الذى يقصده البعض عند الحديث عن استقلال القضاة أو الجامعات أو الصحفيين، بالطبع لا يمكن تصور أن يكون المفهوم مطابقا لمفهوم حصول دولة على استقلالها عن دولة كانت تحتلها، وإلا كان معنى ذلك تفشى حركات انفصالية عن الدولة تحت رايات مهنية أو فئوية تؤدى إلى تمزيق المجتمع، وتضيع حالة التوافق والمعايشة لكل الجماعات التى يتألف منها فى ظل النظام العام. أما المقصود بالاستقلال فى العرف المهنى فهو الاحتفاظ بالخصوصية الفنية للجماعة المهنية وما يستتبعها من عدم تدخل الحكومة الحزبية فى إدارة شئونها الداخلية وفرض رغباتها عليها، كفرض توجه سياسى حزبى على الصحفيين بالمخالفة لآرائهم ومعتقداتهم. التضليل فى نقطة الاستقلال يأتى من الخلط المتعمد بين التعاون مع السلطات الأخرى والتنسيق معها من أجل تسيير الأمور وتيسيرها، وبين هيمنة الحكومة الحزبية على التنظيمات النقابية وتوجيهها، فالتنظيم النقابى بطبيعته تنظيم مطلبى أى أنه يتبنى مطالب فئوية أو مهنية للجماعة التى يمثلها، وليس أمامه من سبيل لتحقيق ذلك سوى التفاوض أو المجابهة. بالطبع ما يتفق مع الفطرة السليمة هو البدء بالمطالبة والمفاوضة، ثم اللجوء إلى درجات متصاعدة من المواجهة، ولا يوجد عاقل يميل إلى التصادم من أول لحظة باعتبار أنه يتعامل مع أعداء، إلا إذا كان يحتمى بالشرعية التى توفرها الدولة وينكرها فى آن واحد. التعاون مع سلطات الدولة لا يضير فالدولة هى الوعاء الذى يضم الجميع، العلاقة المبنية على الاحترام معها تؤهل لإدارة المشكلات التى لا تنتهى مادام النشاط مستمرا وقائما، القول بغير ذلك معناه الاتجاه لتكوين ميليشيات منشقة على المجتمع تستهدف تحقيق أهدافها بالإرهاب المادى أو المعنوى. فى اعتقادى أن القوى التى تسعى إلى التغيير، سواء فى النقابات أو الأحزاب السياسية، لابد أن تجد مدخلا صحيحا لتبرير مطالبها غير الاستسلام لأجندة قوى غير شرعية تصر على فرض شروطها على المجتمع السياسى، فى الوقت الذى ترفض فيه تطوير هياكلها لتتوافق مع الشرعية الدستورية والقانونية. إن المنهج الانقلابى الذى يتورط فيه بعض المطالبين بالتغيير يضيع فرصهم فى استمالة الرأى العام وكسب تأييده. على أية حال فوز مكرم فوز مستحق بجدارة، لا شك أنه مكسب كبير للجماعة الصحفية ولمصلحة تطوير المهنة.