إن إسقاط مبدأ الحرية الاقتصادية المطلقة الذي كان, ووجوب تدخل الدولة من جديد, ليس كما يعتقد البعض باسم لباس الاشتراكية, ولا باسم المحافظة علي سلامة النظام الرأسمالي المستغل الذي كان. وليس ما نطالب به هنا باسم أيديولوجية معينة وذلك أن الأمر أخطر بكثير من الخلافات الأيديولوجية. إن مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية مبدأ أصيل في النظام الإسلامي. وهو ينصرف الي حق الوالي منع الضرر وفي جلب المنفعة, وفي استخدام وترشيد الموارد المعطلة. ولم يكن أبدا, علي عكس مبدأ التدخل في النظام الرأسمالي, رد فعل لمساوئ مذهب الحرية الاقتصادية. انه يعبر, في الإسلام, عن موقف بدأ معه, لا عن تطور واقعي بدأ رأسماليا حرا مطلقا وانتهي اشتراكيا متدخلا مقيدا. فالنظام الإسلامي منذ بدأ يعتمد في تسيير النشاط الاقتصادي علي الفرد وولي الأمر معا. علي الملكية الخاصة غير المستغلة والملكية العامة معا. وعلي المال الخاص الشريف وبيت المال معا. وعلي حرية الفرد وسلطة الجماعة معا. هكذا كان الإسلام وسيظل حتي آخر الزمان, نظاما وسطيا مختلطا ينزل علي مكونات الوجود: الفرد والجماعة, وهذا هو وضع الإسلام في تاريخ الفكر الاقتصادي علي مر العصور. إن مصر اليوم تقف علي يديها, وعلينا أن نسيرها علي أقدامها, فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله, ومن أراد منا أن يكون قائد ثورة فليكن وقودا لها فالثورة يقودها وقودها. والنموذج الاقتصادي الوسطي المختلط هو أجود أنواع الوقود. وذلك لضمان سلامة الاقتصاد المصري وباسم التنمية الاقتصادية والسلام الاجتماعي. بل انه باسم ثورة يجب أن نعمل معا ليل نهار من أجلها لكي يكتب لها النجاح سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بإذن الله. وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون. المزيد من أعمدة د. أيمن رفعت المحجوب