الأزهر الشريف من أقدم الجامعات والمساجد الإسلامية التي أسهمت في نشر الإسلام والمحافظة علي تعاليمه الدينية والأخلاقية والفقهية منذ أكثر من ألف عام, لا في مصر وحدها, بل في كل العالم العربي والغربي وإنك لتجد في كل الدنيا علماء وفقهاء ودعاة يعتزون بأنهم درسوا في جامعة الأزهر, وعلي يدي علمائه وأساتذته وشيوخه الأجلاء, ولاشك أننا في مصر نعتز أيضا بالأزهر كجامع وجامعة تنشر تعاليم الإسلام السمح الذي يؤمن بالوسطية, ويحترم الإنسان في كل مكان مهما كانت عقيدته ولغته ولونه. كاتب هذه السطور مواطن مسيحي ولد في مصر المحروسة الإسلامية وتعلم وعمل ولم يجد أي نوع من التعصب, بل حصل علي تعليمه الكامل ثم عمل عملا يتناسب مع مواهبه واستعداده وترقي في عمله حتي وصل الي درجة وكيل وزارة الإعلام, وربما يضايق هذا الكلام بعض الناس, لكنها الحقيقة التي يجب أن أعترف بها, وهذا بفضل هذه المؤسسة الدينية المستنيرة: الأزهر الشريف. ومن حسن الحظ أنه قد ترأس هذه المؤسسة رجال دين علماء وفقهاء علي قدر كبير من الوعي والثقافة والإيمان جعلهم ينهضون بالأزهر الشريف ويطورونه الي الأفضل دائما, وهل يمكن أن ننسي الشيخ الإمام محمد عبده9481 5091 الذي قال عنه المفكر الكبير عباس محمود العقاد: أنه عبقري الإصلاح والتعليم والهداية, أعظم من أنجبته القرية المصرية ونهض برسالة الأزهر في عصره.. اهتم الشيخ محمد عبده بشرح مفاهيم الحرية والديمقراطية والقومية, وأوضح أن القومية لاتفرق بين الأديان, وأنها توجه ولاء الفرد للأمة, وقد سميت القومية نسبة الي القوم الذي يعيش الفرد بينهم, ويشعر أن كيانه جزء لايتجزأ من كيانهم, وطالب أن تعتمد الحركة الوطنية علي القومية, أي أن يشترك فيها جميع عناصر الأمة بلا استثناء, ودعا الي فتح باب الاجتهاد لمعالجة القضايا الملحة, ووافق الشيخ محمد عبده علي مشاركة المرأة في الأمور السياسية وعلي تعليمها, ودعا الي إنشاء الجامعة الأهلية, وقد توجت دعوته هذه بانشاء جامعة القاهرة, وأوضح فضيلته بأن البرقع أو النقاب ليس إسلاميا وإنما أخذه العرب من الشعوب الأخري, وأن أئمة المسلمين أجمعوا علي أن تكشف المرأة وجهها وكفيها, وأن الحجاب التام لم يناد به الإسلام لا القرآن ولا الأحاديث. هكذا كان الشيخ الإمام محمد عبده شيخا وقورا وعالما جليلا وفقيها يعرف ويتعمق في الفقه والدين, وبجانب كل هذا كان يعرف فلسفة الأديان الحقيقية. الطريف أن الرجل أسس جمعية سوية لنشر الوحدة الوطنية بين الأديان المختلفة, أما لماذا كانت هذه الجمعية سرية فهو وجود الاستعمار البريطاني الذي كان يشجع الفرقة ويؤكد شعار: فرق تسد حتي يستطيع التحكم في المصريين. فقد كان الإمام الجليل يشجع الفقهاء علي الثقافة والقراءة وأنشأ جيلا من تلاميذه أصبحوا من كبار الشيوخ, وهناك أئمة لعبوا دورا كبيرا مهما أيضا. منهم الشيخ الإمام أحمد حسن الباقوري الذي تولي اكثر من منصب وكان مستنيرا أيضا يسعي الي وحدة الشعب المصري وفي هذا قال شعرا: الشيخ والقسيس شيخان وإن شئت فقل هما قسيسان. وكانت لهذا الشيخ مواقف وطنية معروفة وغير هذا وذاك هناك شيوخ أجلاء ارتقوا الي رئاسة الأزهر الشريف وطوروا فيه واهتموا بالدعاة جددوا الخطاب الديني, ومنهم شيخ الجامع الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب وهو شيخ مستنير يحمل في قلبه حبا لمصر ولكل أبناء هذا الوطن, ولايفرق بين المواطنين علي أساس الدين, فهو غير متعصب لأن المسلم الحقيقي لايمكن أن يتعصب, فما بالك وان كان هذا الشخص شيخ الأزهر, لقد سمعته في إحدي محاضراته يقول: ان الإسلام والمسيحية وجهان لعملة واحدة, هكذا شيوخ الأزهر الأجلاء لايعرفون التعصب, يعرفون الإسلام الحقيقي, ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة, لكن الله جل جلاله يريد لنا أن نكون قبائل وشعوبا مختلفة ويمكن لنا أن نتعارف اذا كانت هذه إرادة الله فمن هو الإنسان الذي يقف ضد المشيئة الإلهية؟!. عاشت مصر آلاف السنوات في سلام ووئام مع الإسلام بفضل الأزهر الشريف الذي كان يعطي كل مواطن حقه وينشر مفهوم: لافضل لمصري علي مصري إلا بالعمل الصالح والاجتهاد في سبيل تقدم مصر. أما العجب العجاب أن يأتي نفر ليهاجم الأزهر الشريف ودوره وشيوخه ويحاول تهميشه أو القفز عليه واستغلاله لمصلحته وتحويله من الوسطية الإسلامية السمحة الي التعصب والمغالاة والتطرف, لكنهم لن يستطيعوا ذلك ولن يكون لعبة في يد المتسلقين علي الإسلام والذين يستغلون الدين لمصالحهم السياسية والدنيوية, وسيظل الأزهر الشريف رائدا شريفا حاميا تعاليم الدين: رافعا لواء الوحدة الوطني, ومدافعا عن الإنسان في كل مكان وزمان مهما اختلف الدين أو اللون أو اللغة وتحية لعلماء وشيوخ الأزهر السابقين والحاليين واللاحقين. المزيد من مقالات فايز فرح