هذا هو الخيار الذي تسعي جماعات المعارضة إلي فرضه علي الجميع, من خلال رسالة موجهة إلي الشعب تقول ما معناه: لقد تعمدنا إطالة المرحلة الانتقالية إلي عامين حتي نفاقم معاناتك ونزيد أحوالك المعيشية سوءا. عقابا لك علي التصويت للإسلاميين. لكنك لم ترتدع. الآن أمامك فرصة أخيرة في الانتخابات القادمة.. إما أن تمنحنا الأغلبية وتقصي الإسلاميين, وإما علينا وعلي أعدائنا... هذا بدون مبالغة, هو ما يعبر عنه لسان حال المعارضة, ويؤكده ما يلي: أولا.. التصريحات المتعددة لقادة ورموز المعارضة, الرافضة وجود الأحزاب الإسلامية علي الساحة السياسية بحجة أنها تتاجر بالدين, والتصريحات المتناثرة الرافضة لمشاركة الأميين في العملية الديمقراطية, وغيرها التي يحذر مطلقوها بأن هدوء واستقرار مصر متوقفان علي إرضاء الكتلة الواعية الحرجة, علي حد تعبير أحد منظري المعارضة, وذلك لتمييزها عن الكتلة الجاهلة السمجة. وهكذا, كما أدت العنصرية إلي تطهير عرقي في فلسطين وتطهير ديني في البوسنه, نري اليوم ديمقراطية عنصرية يراد فرضها علي مصر, تقوم علي تطهير سياسي يستبعد المنافس الإسلامي, الذي هو طبقا للمعارضة العلمانية متاجر بالدين, وتطهير طائفي يستبعد الناخب المتدين, علي أساس أنه أمي وغير واع ولا يعرف أين مصلحته. ثانيا.. رفض جميع رموز وقيادات جبهة المعارضة نتائج جميع عمليات الاقتراع منذ الثورة, لا لشئ إلا لأنها ذهبت باتجاه الإسلاميين, حيث لم تتوقف محاولاتهم للانقلاب عليها, بدءا باستفتاء مارس2011, ومرورا بانتخابات البرلمان والشوري, وانتهاء بانتخابات الرئاسة. والآن ينقلبون علي إرادة ما يقرب من ثلثي الشعب المصري, ويتعمدون إهانته بالإساءة إلي دستوره, الذي يصفونه ب الباطل والساقط ودستور الفتنة.. إلخ. حتي الجمعية التأسيسية التي وافقوا علي تشكيلها بالمناصفة بين الإسلاميين والعلمانيين, عادوا وانقلبوا عليها لأنهم لم يتحملوا مساواتهم بالإسلاميين. إن ديمقراطيتهم المشوهة لا تقبل إلا بأقلية إسلامية لا حول لها ولا قوة, تكون بمثابة ديكور, كما هو الحال في نسبة كبيرة من برامج التوك شو, حيث الغلبة دائما للعلمانيين. ثالثا.. ما قاله أحد الإعلاميين المعبرين عن المعارضة: أنتم يا شعب اللي بتخربوا بلدكم لأنكم لستم مثقفين, مش صوتوا علي الدستور بنعم عشان الاستقرار.. ابقوا قابلوني.. ده هيبقي خراب مش استقرار. هذا التهديد الصريح بمعاقبة الشعب علي إقرار الدستور, تكرر أيضا بلسان وقلم أحد نجوم الفضائيات, وهو أستاذ جامعي كان قد هدد منذ أسابيع بأنه إذا أقرت الجمعية التأسيسية دستور الإخوان ستشتعل حرب أهلية.. ثم هدد علي فضائية( الجزيرة), بعد تحديد موعد الاستفتاء, قائلا إذا أجري الاستفتاء في موعده ستكون هناك بحور دم. هذا الأستاذ كتب منذ أيام, بعد إنتهاء عملية الاستفتاء, يطالب الرئيس مرسي ب عدم إعتماد الدستور والاتفاق علي آلية مناسبة لصياغة دستور جديد من خلال لجنة تأسيسية معينة أو منتخبة, أي أنه يطالب, هكذا وبكل بساطة, بإهدار إرادة الشعب وإلقاء أصوات ملايين المصريين في القمامة, كما جري مع جريمة حل البرلمان. ثم يحذر الرئيس بأن هذا هو الطريق إلي استعادة الثقة بين القوي السياسية, وإلا فلا أمل في أي حل. رابعا.. الاتهامات المتكررة في بعض الصحف والفضائيات الخاصة ب أخونة الصحف القومية لمجرد أن هذه الصحف بدأت في استكتاب عدد من الكتاب الإسلاميين, بعد أن كانوا ممنوعين عنها علي مدي عقود, وعلي الرغم من أن المقالات القليلة المعبرة عن الإسلاميين تنشر, محاطة بكم كبير من المقالات والأعمدة المعبرة عن أفكار وقناعات المعارضة العلمانية. بتعبير آخر, فإن علي الصحف القومية, حتي تدفع عن نفسها تهمة الأخونة, أن تعود إلي زمن الإقصاء.. تماما كما يجري إبتزاز الشعب بالوضع الاقتصادي المتأزم, والذي يقترب من حافة الخطر, لكي يبتعد عن الإسلاميين, وإلا فلا هدوء ولا استقرار حتي ينفجر سكان العشوائيات والمقابر مشعلين ثورة الجياع. إن إدعاءات التزوير, والتشكيك في نزاهة الاستفتاء ليس المقصود منها فقط التنفيس عن غيظ المعارضة من هزيمتها أمام الشعب, رغم كل التزييف الصحفي والتضليل الإعلامي, ورغم الأكاذيب والشائعات والملايين التي أنفقت علي حملات التلبيس والتدليس.. وإنما أيضا, وهذا هو الأخطر, فإن هذه الادعاءات توفر الذريعة المطلوبة للاستمرار في المظاهرات والاعتصامات والابقاء علي الأوضاع المضطربة حتي لا يتحقق الهدوء والاستقرار اللازمين لإصلاح وترميم الأوضاع الاقتصادية. والسؤال الآن هو كيف نواجه من يهددوننا بإمساك مصر رهينة في قبضتهم؟ كيف نواجه إبتزازات من يستميتون من أجل إعادة إنتاج النظام البائد بوجوه جديدة؟ إن الاستسلام للابتزازات والتهديدات يعني العودة إلي ما قبل الثورة, كما يعني أن تضحيات الشهداء ذهبت سدي. والمواجهة يجب أن تكون: أولا.. باتفاق القوي الإسلامية علي حظر جميع المظاهرات والاعتصامات, وتجنب الاحتكاك بمظاهرات العلمانيين وعدم الاستدراج إلي ما ينصبونه من فخاخ, بهدف إشعال أحداث عنف, حتي يتبين للشعب من هم دعاة البناء والإصلاح ومن هم دعاة الفتنة والتخريب. ثانيا.. بعمل الصحف القومية علي استكتاب المزيد من الكتاب الإسلاميين بهدف تحقيق مساواة في مساحة النشر بين الكتاب المنتمين للتيارين المتنافسين. ثالثا.. بأن تسعي جميع طوائف الشعب في مواجهة التهديد بتركيع مصر, عقابا علي التصويت للاسلاميين إلي إسقاط قيادات ورموز المعارضة العلمانية في الانتخابات القادمة, حتي تصل إليهم الرسالة واضحة: أن الشعب يريد معارضة وطنية بحق هدفها الأول والأخير هو صالح مصر ورفاهية مواطنيها, وليس معارضة غوغائية مهووسة بكراهية الإسلاميين, وبرغبة محمومة في تدميرهم.. أن الشعب لن يثق فيمن يتهمه في عقله( بالبلاهة وقلة الوعي), وفيمن يتهمه في ذمته( بالقابلية للرشوة بالزيت والسكر).. أن الشعب لن يصوت لمن يستخف به ويحاول تضليله واستغفاله من خلال منابر إعلامية مضللة.. وأنه لن يحترم من يتعالي عليه ويظن في نفسه القدرة علي فرض الوصاية عليه. المزيد من مقالات صلاح عز