عندما ينجح الإعلام في إقناع كثيرين أن شهداء( الإخوان) العشرة أمام قصر الرئاسة ليسوا إخوانا, يجب ألا أن نستغرب نسبة ال43% التي رفضت الدستور في الجولة الأولي. وقبل أن ينسينا هذا الإعلام أنفسنا, دعونا نتذكر ما يلي.. الجمعية التأسيسية التي أخرجت مشروع الدستور, تشكلت بالتوافق والاتفاق.. هذا الاتفاق تراجع عنه البعض بعد أن وصلته تأكيدات بأن المحكمة الدستورية ستحكم بحل مجلس الشعب, هذا البعض ومعه بعض آخر من أعضاء الجمعية, من الذين وقعوا علي وثيقة بمواد اتفق عليها, قرروا التراجع عما وقعوا عليه والانسحاب من الجمعية علي أمل إسقاطها, وإهدار الشرعية التي جاءت بها. وعلي الرغم من التباين الأخلاقي بين طرفين, حاول أولهما التمسك بما اتفق عليه في المرتين, بينما كان الثاني يتراجع لابتزاز المزيد, أو العودة إلي المربع صفر, إلا أن الإعلام إستطاع, بقدرته الفائقة في التدليس وإبداعه في التلبيس, إقناع كثيرين في الطبقة المترفة بأن الطرف الأول مذنب علي طول الخط. إن نسبة معتبرة من المنتمين لهذه الطبقة تسلم عقولها كل مساء إلي قنوات الإعلام الفاسد, ولا تشعر للأسف بحجم المعاناة التي يعانيها المصريون في سيناء والصعيد ومناطق أخري, من جراء إستمرار الفترة الانتقالية, ولا تنشغل إلا بكراهية الإخوان, كما أري وأسمع من حولي في دوائر الأقارب والمعارف, ولا تعير أدني اهتمام لقضايا الديمقراطية والشرعية والمواطنة.. المهم عندهم أن يخسر( الإخوان) ويهزم الرئيس. هناك رغبة واضحة لحرمان الإسلاميين من مناخ هادئ ومستقر يتمكنون من خلاله من حكم مصر. ولأنه مرعوب من احتمال نجاح الإسلاميين, فلابد من إفشالهم وإسقاطهم مرة وللأبد: تربص العلمانيون للبرلمان واتهموه بالمسئولية عن كل الأزمات, علي الرغم من أن الحاكم الفعلي وقتها كان المجلس العسكري وحكومة الجنزوري. ثم عمدوا إلي قصقصة ريش الرئيس منذ اليوم الأول لانتخابه في ظل غياب للبرلمان والدستور, وضيقوا علي حريته في تشكيل الحكومة حتي لا يجد أمامه إلا مسئولين سابقين, وحاصروه بالمظاهرات والاعتصامات والقصف الصحفي والفضائي والقضائي, ومارسوا ضده من وسائل الترويع والابتزاز ما يضمن تشتيت انتباهه ووقوعه في الخطأ. أما بالنسبة ل( الإخوان), فقد تكررت أخيرا الإشارات التي تزدريهم وتتوعدهم بالحظر, كما كتب احدهم, عن نكرات الجماعة التي حلت محلنا, قاصدا بذلك الكتاب الإسلاميين من أمثال كاتب هذه السطور.. أو كما قال قيادي جبهة الإنقاذ إن الشعب قادر علي أن يعيد جماعة الإخوان محظورة.. أوكما كتب آخر آن أوان استرداد الثورة عبر إسقاط الرئيس وإعادة الجماعة إلي وضعها الطبيعي كجماعة محظورة. وعندما تكررت مهزلة احتكار أماكن التظاهر, في محيط قصر الرئاسة, وقرر( الإخوان) مقاومة محاولات حظرهم عن الساحات, علي أساس أنها ليست حكرا علي طرف دون طرف, دفعوا ثمنا باهظا من أرواح عشرة من شبابهم الطاهر, عقابا لهم علي مقاومة الحظر. إن رفض القوي العلمانية جميع دعوات الحوار, ومواجهتها بشروط تعجيزية, يعبر عن رفض للوجود الإسلامي ذاته. كما يؤكد هذا الرفض الخيار البديل للحوار, وهو إسقاط الإسلاميين عن طريق محاولات جر شكل متواصلة لاستدراجهم إلي معارك دموية تؤدي إلي سقوط الرئيس وإهدار إرادة الشعب مرة أخري, كما جري مع البرلمان, ووأد الديمقراطية الوليد. هذا المخطط يتطلب في التعامل معه قدرا غير محدود من الصبر والحكمة من جانب الإسلاميين. ويتطلب الثبات علي مبدأ أن الاحتراب الأهلي خط أحمر. وحيث إن الاحتراب لا يتحقق إلا بمشاركة طرفين, فعلي الطرف الوطني أن يضبط أعصابه ويقاوم كل محاولات الاستفزاز, حتي لا تتحقق الأهداف الشيطانية لأعداء الثورة. إن الأسلوب الحكيم الذي تعامل به الإسلاميون مع العدوان علي مسجد القائد إبراهيم, والذي كان يستهدف إيقاع مجزرة تدفع القضاة إلي الانسحاب من الاشراف علي الاستفتاء, هو نموذج يجب أن يحتذي مع جميع الاستفزازات القادمة, لأن الثورجية العلمانيين وحلفاءهم الفلول, مع جيوش البلطجية, لن يتوقفوا في الأمد المنظور عن نصب الكمائن والفخاخ بهدف إراقة الدم المصري, واستخدامه كذريعة لاقحام قواتنا المسلحة لكي تكون أداة لإسقاط الرئيس المنتخب, ومعه الدستور المستفتي عليه. منذ أكثر من عام, كتب عدد من رموز الثورجية يهاجمون المجلس العسكري لسماحه بإنشاء أحزاب إسلامية( يسمونها دينية. فالديمقراطية عندهم يجب أن تمارس في ظل تغييب القوي المنافسة مثل أحزاب( الحرية والعدالة) و(النور) و(الوسط) و.. إلخ. هؤلاء الرموز أنفسهم هم الذين يطالبون منذ شهور بتغييب وإقصاء الأميين(40%) عن الديمقراطية, وكأن العنصرية تجاه الخصوم السياسيين لا تكفي. بل إن في جبهة الإنقاذ من أعلنوها صراحة أن الدستور باطل أيا كانت نتيجة الاستفتاء, أي أن الشعب كله لا لزوم له. بتعبير آخر, الديمقراطية عندهم تقوم علي التطهير السياسي للمنافسين. وهذا ما يصل بي إلي السبب الأهم للموافقة علي الدستور( بعد الأسباب الخمسة التي عرضتها الأسبوع الماضي): إن الدستور المعروض يضمن المساواة الحقيقية بين الأمي والمترف, وينبذ الديمقراطية العنصرية,.. والموافقة عليه تقطع الطريق علي من يستميتون من أجل أن يعودوا بنا إلي الوراء, بإعادة إنتاج النظام البائد بوجوه جديدة, وإعادة أكبر قوة سياسية في البلد إلي وضعية الحظر والإقصاء. المزيد من مقالات صلاح عز