هذا خطاب مفتوح إلى نيافة البابا تواضروس الثانى بطريرك الكرازة المرقسية الذى يحمل على عاتقه عبء قيادة الكنيسة فى مرحلة يؤسس فيها شعب مصر لدولته المدنية الديمقراطية وفى ظل تحولات داخلية وخارجية تستلزم تلاحماً عميقاً بين عنصرى الشعب المصرى. كان الأمل معقوداً على البابا الجديد فى استعادة الخط التاريخى للكنيسة المصرية كقيادة روحية للأرثوذكس فى مصر أعطت مثالاً للوطنية والتوحد ضد مشاريع الغزو الغربى للمنطقة ومحاولات الاستعمار للتفريق بين أبناء الوطن، لكن يبدو أن البابا تواضروس آثر أن يلتزم بالسياسات الخطيرة التى ابتدعها البابا شنودة وفيها تلعب الكنيسة دور القيادة السياسية للأقباط، وتنازع الدولة صلاحياتها وسلطاتها، وتتحالف مع تيارات سياسية وتعادى أخرى، وهو دور أدى إلى الاصطدام مع الرئيس السادات الذى قام بعزل البابا شنودة وتعيين لجنة ثلاثية لإدارة الكنيسة قبل أن يعود البابا المتنيح إلى مقعده على يدى المخلوع، وازداد الدور السياسى للكنيسة علانية وخطورة فى عهد المخلوع، فأصبحت الممثل الوحيد للمسيحيين الذين انعزلوا داخل الجيتو الكنسى وصارت مطالبهم وتظاهراتهم تتم داخل الكاتدرائية معبرة عن اتجاهات طائفية لا عن مطالب شعبية، ومثلت الكنيسة الحليف الأكبر للمخلوع وحزبه البائد الذى احتكر الصوت القبطى فى جميع الانتخابات لإسقاط التيار الإسلامى المعارض الحقيقى للنظام، وبالمقابل أطلق النظام يد الكنيسة فى شئون الأقباط وأنشطة الكنائس والأديرة حتى صارت بمثابة دولة داخل الدولة وهو ما ظهر فى مواقف عديدة منها الإصرار على عدم تطبيق حكم القضاء الادارى الملزم الذى أعطى للمطلقين حق الزواج الثانى وذلك منذ يونيه2010 حتى الآن وهو ما تم تبريره بمخالفة الحكم لتفسيرها للإنجيل، وكذلك استيلاء رهبان دير أبوفانا بالمنيا على أراضى الدولة المحيطة بالدير واشتباكهم بالأسلحة مع العرب المقيمين فيها مما أدى لمقتل مسلم فى يونيه 2008. وخلاصة المشهد قبل الثورة أن الكنيسة استخدمت ورقة أقباط المهجر وادعاءات الاضطهاد الممنهج للمسيحيين كوسيلة للضغط على النظام عبر دول الغرب، وفى ذات الوقت تحالفت مع النظام (لدرجة مباركة انتخاب جمال مبارك رئيساً للجمهوربة!!) كى يطلق يدها فى التصرف داخل المجتمع، وهو ما ظهر فى مشاهد عديدة كان من أبرزها إجبار الدولة على تسليم من أسلم من المسيحيين إلى الكنيسة ومن ثم احتجازهم وتغييبهم ومن أشهرهم (وفاء قسطنطين، مارى عبدالله)، وإطلاق يد جمعيات التنصير فى مصر بالتوازى مع قيام قساوسة وكهنة فى الخارج بالتطاول على الإسلام وسب الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليلاً عبر فضائيات مسيحية (زكريا بطرس لم يتم عزله رغم سبه العلنى للإسلام)، ونذكر هنا مسرحية (كنت أعمى والآن أبصر) التى تطاولت على مقدسات المسلمين وتسربت من إحدى كنائس الاسكندرية عام 2005، وكذلك تصريحات الأنبا بيشوى (سبتمبر2010) والتى تعتبر أن المسلمين ضيوفٌ على المسيحيين فى مصر (بالأحرى عرب محتلون لمصر). وقامت الثورة، فرأت الكنيسة فيها تهديداً خطيراً لها وللنظام الحليف، لذا أكد البابا والقساوسة على عدم النزول فى أى مظاهرات ضد النظام، ولهذا كان معظم المسيحيين الثائرين من الطائفتين الإنجيلية والكاثوليكية، وهو ما يثبت كذب كل ادعاءات أقباط المهجر عن الاضطهاد الممنهج فى عهد مبارك، فكيف يضطهدهم ويدافعون عنه حتى الرمق الأخير؟ لكن إرادة الله نافذة وبانتصار الشعب وسقوط المخلوع حافظت الكنيسة على تحالفها التقليدى مع القوى العلمانية المتطرفة ضد التيار الإسلامى، وواصلت دورها، فحشدت المسيحيين بصفتها قيادتهم السياسية نحو رفض التعديلات الدستورية فى استفتاء 19 مارس ولدعم تحالف الكتلة المسيحى العلمانى (أحرار ساويرس، الديمقراطى المصرى، التجمع الشيوعى) فى انتخابات البرلمان، ثم كان الدعم الكامل والحشد الكبير لمرشح الثورة المضادة الهارب شفيق وهو ما خصم من الرصيد الشعبى للكنيسة التى تحالفت مع فلول الفساد والاستبداد ضد قوى الثورة. ما الجديد إذن؟ الجديد أن الكنيسة تحت قيادة البابا تواضروس بدأت تغوص فى مستنقع الاحتراب السياسى لا عبر الصناديق فقط، ولكن عبر حشد الأقباط فى الميادين لإسقاط الرئيس مرسى، إذ أكدت التقارير المتواترة وصرح العديد من القيادات السياسية (منهم، د.البلتاجى) أن الحشد فى ميدان التحرير والكم الأكبر من متظاهرى الاتحادية كان من المسيحيين والفلول وأن عدداً منهم تسلق أسوار القصر ولطخها بالسباب المزرى، وهى دلالة خطيرة على اتجاه الكنيسة للصدام مع الرئيس الشرعى ومع تيار الأغلبية بصورة أشد مما تم مع السادات، ولم يكن غريباً إذن أن تقامر الكنيسة بالمصلحة الوطنية فتنسحب من الجمعية التأسيسية رغم أن المادة الثالثة من الدستور قد تم وضعها نصاً كما أراد المجمع المقدس للمرة الأولى فى دساتير مصر!! بل والأخطر أن ينتقد البابا (متدخلاً فيما لا يضيره) المادة 219 التى تشرح مبادئ الشريعة الإسلامية ويصفها (إنها مادة كارثية ورجعية)، ثم تضع الكنيسة أبناءها صفاً واحداً مع بلطجية الوطنى فى جبهة الإنقاذ العلمانى قبل أن تحشد علناً لرفض الدستور فى الاستفتاء الحالى. والتساؤل المطروح هو: إلى أين تمضى الكنيسة فى ظل الانجراف وراء العلمانيين فى الحرب على التيار الإسلامى؟ فحينما نرى رفض البابا لزيارة المرشد العام لجماعة الإخوان للكاتدرائية للتهنئة، ندرك افتقاد الرغبة فى التقارب والحوار، ونتساءل أين روح المحبة المسيحية الشهيرة؟ إن الأحرى بقيادة الكنيسة أن تتراجع عن خوض معارك سياسية مع تيار الأغلبية وليتهم يدركون أن عهد الاستبداد قد ولى، فعجلة الزمن لن تعود للوراء والتحالف مع الفلول والضغط الغربى لن يضر بشرعية انتخبها الشعب المصرى، لذا فإن العيش المشترك لا مناص منه، وفتح أبواب الحوار والتقارب بين الكنيسة والتيار الإسلامى هو واجب الوقت بعيداً عن أوهام الإقصاء والتهميش وبعيداً عن مخاوف الإسلاموفوبيا المرضية التى تحول دون التعايش والتفاهم، ولتلتزم الكنيسة بقول السيد المسيح: ((أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم)) (متى5 :43) أليس الإسلاميون من أبناء الوطن أم هم أعداءُ يا نيافة البابا؟! [email protected]