بقاعة المسار للفن المعاصر بالزمالك افتتح معرض تعبيرية اللحظة للفنان التشكيلي القدير عمر النجدي, والذي يستمر حتي13 مايو الحالي. ويضم المعرض أحدث لوحات الفنان التي تعبر عن أحدث مراحل فنه المختلفة, والنجدي عاشق الفراغ, إذ يتحول بين يديه ألوان وحياة تستلهم الفن الفرعوني والإسلامي, ولوحاته ليست مجرد زخرفة بل هي مزيج صوفي شفاف يسبح في فضاء الكون يصنع منه شخوصا خاشعة لها مفرداتها الحياتية التي تنطق بقيمتها المجردة ذات الملامح الأرابيسكية الأصيلة. وطوال رحلته الإبداعية لم يتقولب ضمن قوالب بل جاءت تصميماته التطبيقية داخل المربع والمثلث والدائرة والمستطيلات كشخوص حية تستنشق فيها عبق التراث الإنساني الذي يرجع إلي آلاف السنين, وهو فنان يعيش آلام البشر وأحزانهم ويتعمق بفرشاته في عاداتهم وتقاليدهم ولا ينقل ملامح أو يلتزم بمقاييس ولكنه يرسم أحاسيسه, وهنا يكون تفرده في الإبداع ولغته الخاصة التي تغلب عليها السريالية التعبيرية. ويعتبر عمر النجدي واحدا من أبرز فناني مصر والشرق الأوسط وهو أكثرهم انتاجا وثراء, وهو الفنان العربي الوحيد الذي يملك متحفا لأعماله في باريس, ويمثل مشواره الطويل وابداعه في مجالات التصوير والرسم والنحت والخزف علامة مميزة علي طريق الفن المصري المعاصر, والتي تأثر بها الكثير من تلاميذه ومحبي فنه, فحينما يتعمق المرء في عالم عمر النجدي سيجد نفسه في عالم شديد التناقض وشديد التناسق في ذات الوقت, عالم متعدد الألوان والأبعاد والأشكال, لكن أهم الاكتشافات هي إدراكه أن العنصر الإنساني هو العنصر الغالب وربما الوحيد في أعماله, فمهما بلغت درجة التجريد في لوحاته, ومهما تناقضت الألوان أو تزايدت أو تداخلت يظل الوجه الإنساني هناك, في شموخه وسموه وتألقه وفرحه وحزنه وعندما يرسم رجل وامرأة نجد نوعا من الحميمية الصامتة. ومصادر فن النجدي متعددة مركبة, فقد استفاد من الفن الآشوري البابلي والايقونات المسيحية ووجوه الفيوم المتميزة والفن الفلكلوري المصري. ففي طريقة توظيفه للألوان, نجد في بعض اللوحات قد يستخدم ألوانا هادئة بل وقد يوظف الفراغ, ولكن في لوحات أخري تنفجر الألوان كالبركان ويظهر التباين الخلاق في لوحاته التي يستخدم فيها خطا أسود واحدا, يجمع شتات اللوحة وتفاصيلها العديدة, ولعل هذا الفنان الذي يعرف أصول صنعته أدرك ذلك, ولذا نجده قد قسم الألوان إلي أقسام تأخذ شكل مربعات ودوائر, لكل منها لونه الخاص وشخصيته الخاصة, لكنها كلها تمتزج لتوجد تعددا لونيا داخل الوحدة. ويقول النجدي: كل الفنانين التجريديين في العالم بدأوا بالفن الكلاسيكي, إذ لا يمكن أن يبدأ الإنسان حياته الفنية بلطشتين من هنا وهناك ويسمي نفسه فنانا, بهذه العبارة الجريئة يلخص بها الفنان الكبير موقفه مما يحدث اليوم في ساحة الفن التشكيلي في مصر والوطن العربي بعد أن كثر ادعياء الفن, ويضيف أن هذا التساهل هو أحد العوامل التي ساعدت علي اختلاط الحابل بالنابل في دنيا الفن, إذ فقدنا التمييز بين الفنان الحقيقي وذواقة الفن, وأصبح كل هواة الفن من كبار الفنانين وأصحاب المدارس الفنية ذائعة الصيت. وعمر النجدي يملك المهارة بالرسم بمختلف الوسائط, ولعله من أوائل من استخدموا خامة الرمل فوق الأسطح القماشية, ينحت في الحديد والخشب والصلصال, يحفر علي الزنك والحجر والشاشة الحريرية, وله أشغال في السيراميك والخزف, واقتحم عالم الفسيفساء الطبيعية, وفضلا عن ذلك فهو يبدع اللوحة الجدارية وينفذ التمثال الميداني. من بين الموضوعات التي اهتم بها في إبداعه الموضوعات التي تمثل مظاهر الحياة الشعبية والمظاهر الدينية, والموضوعات القومية والوطنية, وفي مجال المظاهر الدينية استلهم موضوعات من العمارة الإسلامية, والآيات القرآنية التي أبدع من خلالها مئات اللوحات, التي تؤكد موهبته في التشكيل والتنوع من خلال الحروف العربية في عمل لوحات فنية تتوافر لها كل الأبعاد في التشكيل والمنظور, والظل والنور, والتي تعكس الجو الروحاني علي هذه الأعمال, من هذه اللوحات استخدامه للفظ الجلالة في تشكيل اللوحة الواحدة, من هذه اللوحات تجسيد لفظ الجلالة المعماري للكعبة. ويعمل الآن أستاذا غير متفرغ, وأقام معارضه الخاصة في معظم دول العالم, وقد حصل عمر النجدي علي العديد من الجوائز المهمة وكون جمعية باسم فسيفساء الجبل, وهو رائد هذه الجمعية, وتعتبر الوحيدة التي يعتمد عليها في مصر لفن الموزاييك المحلي1964-1965.