يمهد شكل وموقع الجاليري الذي يقام فيه معرض ثلاث رؤي معاصرة لما أنت مقبل عليه بداخله ففي أحد الشوارع الجانبية الهادئة في الزمالك ستستغرق بعض الوقت قبل أن تجد خان المغربي بضع درجات سيكون عليك أن تنزلها قبل أن تدلف من الباب الصغير الداخل إلي الجاليري لتطالعك رسوم تبدو وكأنها مقتطعة من جدران الكهوف هي أعمال عاصم شرف, أحد الفنانين الثلاثة المشاركين في المعرض المستمر حتي الخامس عشر من نوفمبر الجاري. عبر خامة عجينة الورق وألوان تبدو وكأنها تعرضت للكثير من عوامل التعرية, ينقل عاصم شرف مشاهد من حيوات شبه بدائية انطبعت عليها خريطة المدينة لتلونها بألوانها هذا الانطباع البدائي يبدو متعمدا في الأسطح التي اختارها شرف غير منتظمة ومتفاوتة الأحجام والمساحات أشكال عاصم شرف ترتسم عليها وتلونها خرائط تحفر تضاريسها علي الأجساد المتطايرة علي سطح اللوحة في أوضاعها المختلفة وذلك قبل ان تنتقل عيناك لأعمال عمر الفيومي التي لا تختلف بالمرة عن أعمال شرف في صبغتها البدائية فعمر الفيومي داخل لوحات منتظمة هذه المرة وباستخدام للزيت يصور أجسادا لنساء وأشباه رجال يقول عنهم: في مراحلي الفنية المختلفة تنقلت بين أساليب وأشكال فنية عدة فرسمت المقاهي وربات البيوت إلي جانب رسوم البورتريه ولكن لا توجد لدي مراحل فنية أتنقل بينها وأترك كل منها ورائي بل أعود من حين لآخر لأن لدي ما أود إضافته ومثال لهذا الرسوم ذات الطابع البدائي كما تصفيها المسيطرة علي هذا المعرض, فقد بدأت عند تخرجي في التصوير متأثرا بأستاذي حامد ندا الذي تتخذ الشخوص في لوحاته هذا السمت البدائي حيث الجسد الانساني كثيرا ما يكون غير محدد الجنس لهذا اقول ان في لوحاتي نساء واشباه رجال فرغم ان المعرض ينقل فضاء مفتوحا واواضاع شبه مسترخية للشخوص الا انه لا يمكنني ان انفصل علي ما نحياه من لخبطة تنطبع علي شخوص اللوحة لتتشكل في هذه الحالة الوسيطة غير واضحة الهوية. وينفي عمر الفيومي الذي كان قد أقام في مايو الماضي معرضا مغايرا في أسلوبه للمعرض الحالي ان يكون هناك اتفاق بينه وبين شريكيه علي تيمة معينة للمعرض ويقول: يبدو لمن يشاهد المعرض بالفعل ان ثمة اتفاقا بيننا علي اسلوب معين للتصوير وكأن المعرض ناتج عن ورشة عمل الا ان هذا غير حقيقي فأينا لم ير أعمال الأخرين قبل تعليق اللوحات بقاعة الجاليري بالفعل. وهو ما يؤكده النحات شريف عبدالبديع الذي تحول إلي التصوير في هذا المعرض, فيقول: نحن الثلاثة خريجي دفعة واحدة في كلية الفنون الجميلة وليست هذه هي المرة الأولي التي نقيم فيها معارض مشتركة فقد أقام ثلاثتنا إلي جانب زميلين لنا هما جمال عبدالناصر ومحمد صلاح معرضنا الأول بأتيليه القاهرة, لهذا عندما اقترح الفنان عمر الفيومي ان نقيم هذا المعرض معا وافقنا علي الفور, وطوال هذه السنوات نحن اصدقاء مقربون وغالبا ما نتشارك في إبداء الآراء في أعمالنا, الا هذه المرة عندما اقترح عمر الفيومي قبل شهر من موعد إقامة المعرض أن نقيم هذا المعرض المشترك معا, وافقنا وظل كل منا يعمل علي لوحاته ويستكملها ويعدها حتي قبل يومين اثنين من الافتتاح, وعندما بدأنا في تعليق الاعمال فوجئنا بأن أعمالنا نحن الثلاثة تبدو وكأنها ذات أسلوب فني واحد مع أنها ليست كذلك. الا أن هناك روحا مشتركة تجمع اعمالنا نحن الثلاثة بالفعل جعلت للمعرض وحدة لافتة فاجأتنا قبل أن تفاجيء زوار معرضنا. أما عن العنوان المطلق غير المحدد ثلاث رؤي عصرية فيقول عنها شريف عبدالبديع: ربما كان هذا العنوان هو الأكثر مناسبة فالمعرض لا يحمل تيمةTheme معينة يمكن أن نحدد من خلال نوع هذه الرؤي, ولكنها رؤي للحياة لثلاثة فنانين من نفس الجيل والخلفيات الفنية والثقافية تقريبا. وحول تبنيه للتصوير دون النحت في هذا المعرض يقول: اخترت النحت منذ بداياتي الفنية تأثرا بوالدي( والده هو النحات الكبير الراحل عبدالبديع عبدالحي) لكن التلوين ظل شغفي الأكبر, لهذا كنت أعمد لحضور محاضرات التصوير مع صديقي عمر الفيومي وعاصم شرف خلال دراستنا بكلية الفنون الجميلة وحرصت علي تعلمه أثناء دراستي بفرنسا, ووجدت في هذا المعرض فرصة لإشباع شغفي بالتصوير والتلوين, هذا الشغف يتبدي في المساحات الصغيرة التي تتصارع فيها شخوص شريف عبدالبديع في حكاية ممتدة تحكيها لوحاته المشاركة بالمعرض, تسرد اللوحات للرائي حكاية يصعب تبينها لكنها تحفل بصراع واضح يقول عنه عبد البديع: ربما تنقل اللوحات حكاية ما إلا ان هذه الحكاية غير متعمدة تماما, فلا يوجد خط افقي واحد تقوم عليه تلك اللوحات في بنائها فالشخوص تقتحم اللوحة في أماكن مختلفة, من أعلي وأسفل واليمين واليسار فلا يوجد اللوحات حركة يمكن فهمها وتبينها علي الاطلاق حتي الشخوص نفسها ممسوخة فتتشكل كطيور حينا وكحيوانات في أحيان أخري هناك رموز قديمة ايضا تتسلل للصورة لتعكس الخلط غير المنظم الذي تقوم عليه ثقافتنا التي صارت مختلطة وعشوائية بدورها. هذا الوصف المكثف الذي يقدمه شريف عبدالبديع للوحاته جعله يركز شخوصه كلها داخل بقعة ضوء مركزية تتحرك فيها كل تلك الاجساد بتخبط واضح معتمد علي عكس أوضاع الاجساد في لوحات الفيومي التي تبدو مسترخية وراقصة, أجساد لنسوة وأشباه رجال علي حد تعبيره يتحركون حركات هادئة في فضاء مفتوح ذي ألوان هادئة إلي جانب عدة تماثيل من الحديد والبوليستر, تبدو فيها تماثيل البوليستر شبيهة بالأوضاع والأجساد التي في اللوحات وهو ما يعلق عليه عمر الفيومي بقوله: المنحوتات الحديدة تعود إلي عام1997 لكنها في أوضاعها غير بعيدة عن أوضاع اللوحات أما تمثالي البوليستر الوحيدين أردت ان اجسد فيهما روح اللوحات ولكن عبر التشكيل في الفراغ النحت لا تعامل مع مسطح مختلف, واضع اللوحات ذاتها في اطار ثلاثي الابعاد.