في الوقت الذي تحتاج فيه مصر إلي سواعد أبنائها للعمل ومواصلة الليل بالنهار لاجتياز المرحلة الحرجة التي تعيشها البلاد حاليا, تفاجئنا مؤسسات حيوية في بلادنا تحت مبررات مختلفة بتعطيل العمل بسبب اختلافات سياسية, أو مطالب فئوية, أو تعليق العمل لأجل غير مسمي دون الالتفات إلي ما قد يترتب علي ذلك من إضرار بأفراد المجتمع والمصلحة العامة, ناهيك عن التجاوزات التي تصاحب التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق. في حوار ل الأهرام أكد الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن تعليق العمل في المؤسسات الحيوية بالدولة حرام.. وأن الحوار الهادئ هو البديل الأنسب للتعبير عن الاختلاف في الرأي.. ورفض عثمان استخدام الشعارات المسيئة للرئيس, وطالب بمحاسبة المتطاولين بكل حسم وعدم التهاون معهم.. وإلي الحوار: سبق للقضاة المعارضين لرئيس الجمهورية أن أعلنوا تعليق عمل المحاكم, ومن قبلهم موظفو المترو, والأطباء في المستشفيات وغيرها..ما تعليقكم؟ وهل يجوز التعبير عن رفض قرار معين بحرمان الشعب من حقوقه التي يتلقاها من أي من مؤسسات الدولة؟ هذا لا يجوز بالطبع وليس ذلك معناه تأييد أو رفض قرار الرئيس, ولكن الاحتجاج أو التعبير عن الرأي, أو المطالبة بحق من الحقوق, أو التظلم من ضرر معين, ينبغي ألا يترتب عليه ضرر آخر, وتحكمنا في هذه القضية قاعدة لا ضرر ولا ضرار, وهي نص لرسول الله صلي الله عليه وسلم. ومن ثم فالامتناع عن العمل, سواء في القضاء, أو المستشفيات, فإن هذا الفعل يدخل في باب الحرام. وما حكم الرواتب التي يتقاضاها الممتنعون عن العمل في الفترة التي علقوا فيها العمل أو امتنعوا عن أداء أعمالهم؟ الأصل أن كل موظف أو عامل يتقاضي راتبه أو أجره مقابل عمل يقوم به في مدة معينة وكيفية معينة, فإذا ما امتنع الموظف عن أداء عمله طواعية, أو عطله مدة معينة, فإن ما يتقاضاه عن هذه المدة التي علق فيها العمل يعد سحتا لا يحق له, لذا فمن حق الجهة أو المؤسسة التي يعمل بها أن تحرمه من مستحقاته المالية ونحوها في المدة التي يعلق فيها العمل, وأن تتخذ حياله الإجراءات القانونية المناسبة. وما هو الأسلوب الأمثل للمطالبة بالحقوق, أو تسجيل الاعتراضات علي أمور حيوية كالإعلان الدستوري مثلا؟ الأسلوب الأمثل الذي ينبغي أن يتبعه الجميع هو الحوار العام الهادئ, حوار بين الفرقاء والمختلفين في الرأي, أو أصحاب المطالب ورؤسائهم, دونما إخلال بواجبات المواقع التي يشغلها أصحاب الرأي والرأي المخالف. وماذا لو لم يتم الاتفاق, وباتت القضية تحتاج للتصعيد؟ إذا كان الأمر لا محالة يستدعي التصعيد, فيمكن التعبير عن ذلك بشكل سلمي لا يتجاوز الاحترام, ولا يتعدي علي حقوق الناس أو يحرمهم إياها, كأن يكون الاحتجاج في يوم عطلة أو في غير أوقات العمل الرسمية ولا يعترض مصالح الناس, حتي لا يؤثر بالسلب علي فئة بريئة لا ذنب لها فيما ينادي به المحتجون. ففي مجال القضاء مثلا هناك آلاف من الناس تتوقف حقوقهم علي البت فيها أمام القضاء, فكيف يستساغ الامتناع عن نظر القضايا وتعليق العمل بالمحاكم, ومعلوم حجم الضرر البالغ علي العديد من الأشخاص والجهات؟!..وإذا كان القضاة مشكلتهم مع مؤسسة الرئاسة فما ذنب بقية الشعب الذين تتوقف مصالحهم؟! لذلك فإن الشرع والمنطق يقتضيان البعد عن هذا الأسلوب( تعليق العمل). وهل هناك حالات معينة يجوز فيها تعليق العمل؟ ليست هناك حالات تبيح ذلك, فتعليق العمل ليس حقا للعامل أو الموظف من تلقاء نفسه, لأنه يترتب عليه ضرر كبير للوطن وليس للأفراد فحسب. ويجب علي كل مواطن يحب وطنه ألا يفعل ما يضر به, خاصة في ظل هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد, فلو جاز فرضا أن يتبع هذا الأسلوب( تعليق العمل) في ظل وضع سياسي مستقر في أي دولة, إلا أنه في ظل الظروف التي يكون الوضع فيها مليئا بالاحتقان والتوترات السياسية والاجتماعية والاقتصادية, كما هو الحال في مصر الآن, فإنه لا يجوز إطلاقا تعليق العمل. وما تعليقكم علي الشعارات والتجاوزات التي تتم في الاحتجاجات التي تصل أحيانا إلي السباب والشتائم حتي في حق رئيس الجمهورية؟! بكل أسف إن أسلوب الحوار والاختلاف والتعبير عن الرأي تدني في بلادنا وأخذ أنماطا غاية في الانحطاط والسوء مما نسمعه ونشاهده من تجاوزات في حق الجميع, حتي في حق رموز الدولة ورئيسها في حين أن الدول التي لا تدين بالإسلام نجدها في حواراتها بين الحاكم وخصومه تتسم بالرقي والموضوعية والاحترام, لذلك فإنني أرفض بشدة التطاول علي رئيس الدولة اختلفنا أو اتفقنا معه لأنه يمثل مصر قامة وقيمة, والنيل منه هو محاولة للانتقاص من هذه القيمة التي حبا الله بها مصر بين دول العالم.. لذا فلابد من الاحترام الكامل لرئيس الدولة أيا من كان, وليعلم الجميع أن اللجوء للشتم والسباب يدل علي ضعف الحجة من الخصم, فصاحب الحجة القوية لا يحتاج للشتم والشباب. ربما شجع علي التمادي في التجاوزات حلم الرئيس مع معارضيه أو منتقديه.. هل هذا صحيح؟ نعم.. لاشك أن الذين يتطاولون الآن علي رئيس الجمهورية غرهم أن الرئيس لا يريد أن يعطي صورة سيئة عن الحكم بعد النظام السابق, لأن كل متطاول علي الرئيس لو عوقب بالقضاء فسيعطي ذلك فرصة للمناوئين بأن يفكروا في أن ما يمارسونه هو الاستبداد بعينه, ولكن علي الرئيس أن يلتفت إلي خطورة ما يحدث وأثر علي كيان الدولة ومقام الرئاسة, وعليه أن يبدأ في محاسب محاسبة المتطاولين عن طريق القانون.. فالحلم هنا ليس مطلوبا, ولا موضع له, فرئيس الدولة له طابع خاص ليس لذاته, لكن لطبيعة المهمة والعمل الموكول إليه, فضلا عن أنه مواطن له حق حفظ كرامته. لذا فلابد من الاحترام الكامل له ولمنصبه من شعبه, لأنه لو كان هذا المنصب مهانا فإنه يضر بمركز مصر.