حذرت »أخبار اليوم« منذ أسابيع من خطورة تهديد الجمعية العمومية لنادي القضاة برئاسة المستشار احمد الزند بتعليق العمل في المحاكم، بدعوي المساس بالسلطة القضائية لما في ذلك من تعطيل لمصالح الناس. واليوم دخل التهديد حيز التنفيذ بعدما قررت بعض الجمعيات العمومية للمحاكم المصرية تعليق العمل في المحاكم لحين اسقاط الإعلان الدستوري الجديد، وهو الأمر الذي احدث ارتباكا شديدا بين آلاف المواطنين المتقاضين، وزادت معاناتهم جراء هذا التصرف. وفي التحقيق التالي تطرح »أخبار اليوم« القضية للنقاش.. متسائلة: هل يليق برموز العدالة أن يمتنعوا عن العمل ويعطلوا للصالح الناس؟!. بداية يؤكد د. محمد صلاح أبورجب المستشار بمجلس الدولة أن تعليق العمل بالمحاكم متفق تماما مع رغبة الاغلبية الكاسحة من القضاء لأن الإعلان الدستوري الجديد يعدانتهاكا للسلطة القضائية بأكملها وأيضا القضاء العادي ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية. مشيراً إلي أن هذا الإعلان يعد مخالفا لكل الاعراف الدستورية والقانونية والدولية موضحا أنه صدر ليخاطب اشخاصا بعينهم فضلا عن قيامه بتحصين القرارات الصادرة من الرئيس مخالفا بذلك الإعلان الدستوري الصادر يوم 91 مارس والذي انتخب علي اساسه رئيسا للجمهورية. وقال: اضراب القضاة وتعليقهم للعمل بموجب المادة 12 والتي حذرت من تحصين أي عمل أوقرار إداري من رقابة القضاء وبالتالي فإن تعليقهم للعمل هو موقف وطني ليواجه التدخل السافر من قبل السلطة التنفيذية تجاه السلطة القضائية. ويري المستشار عبدالله قنديل رئيس هيئة النيابة الإدارية أن ما قام به القضاة هو عمل مشرف ولا يحاسبون عليه مشيرا إلي أن ما جعلهم يقومون بذلك هو رأس السلطة بسبب اصداره للإعلان الدستوري ليس من اختصاصه أن يقوم بذلك فيأتي مثل هذا الإعلان عقب الثورات من الحكام الذين يستمدون شرعيتهم من الشرعية الثورية فلستند إلي ذلك لحين وجود شرعية دستورية. وأوضح قنديل أن الرئيس مرسي هو رئيس منتخب وبالتالي فهو يستند إلي الشرعية الدستورية وليس الشرعية الثورية مؤكدا أنه لا يحق له أن يصدر مثل هذا الإعلان وهذا ما دفع القضاة إلي تعطيل العمل، وهذا يترتب عليه اضرار بسيطه إذا قيست بالاضرار الناتجه عن الإعلان. غير قانوني ويقول المستشار جمال رمضان: من الناحية القانونية لا يجوز تعطيل العمل في أي جهة حكومية ولكن في ظل الاوضاع التي يضرب فيها بالقانون عرض الحائط. وأشار إلي أن ما أحدث هذه المشاحنات هي القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية والتي أدت إلي اضراب القضاة عن العمل لرفضهم للإعلان الدستوري. وقال: علي فرض صحة هذا الإعلان من الناحية القانونية إلا أن هذا القرارات الصادرة تعد توغلا حادا من السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية وهذا استبداد تعرض له القضاء لم يتعرض له من قبل حتي في ظل النظام السابق. إعلان باطل ويري المستشار نصر فريد رئيس محكمة استئناف القاهرة أنه تم الاعتداء علي الهيئة القضائية بإعلان دستوري غير صحيح.. موضحا أن القضاء لم يتوقف تماما بل اقتصر فقط علي الفصل في القضايا ولكنه لم يعطل مصالح المواطنين.. وأشار نصر إلي ان إلاعلان اعتداء صارخ علي سيادة القانون وعلي السلطة القضائية ايضا.. فضلا عما بدر من رئيس الجمهورية من عبارات تمس الهيئة القضائية. وأشار المستشار فريد إلي أن حصانة القضاء تعد تعميقا للديمقراطية فلا يستطيع القاضي أن يقوم بعمله إلا إذا اخذ هذه الحرية كاملة فلا سلطان عليه فهناك طرق واجراءات للطعن قام برسمها المشرع وسوف يستندون إليها فيما يقومون حتي تعود الأمور إلي طبيعتها. ويؤكد المستشار محمد حسن نائب رئيس مجلس الدولة ووكيل نادي قضاة مجلس الدولة أن النادي يعبر عن جموع القضاة، ولكن هناك قرارات مصيرية لابد فيها من جمعية عمومية ومنها تنبثق القرارات مثل قرار تعليق العمل بالمحاكم.. مشيرا إلي أن مجلس إدارة نادي القضاة مجلس الدولة يعلن تضامنه الكامل مع الجمعية العمومية للقضاء العادي في رفض الإعلان الدستوري مشيرا إلي أن هذا الإعلان يؤدي إلي انهيار دولة القانون. وقال: استقلال القضاء حماية للمواطن بالدرجة الأولي فالقضاة لا يطلبون مزايا شخصية وإنما حماية القانون.. وأشار إلي أن الحل بالمحاكم لا يتوقف بصورة كاملة، ولكن هناك بعض القضايا المصيرية تنظرها المحاكم فلا يمكن للقضاء أن يأتي ضد مصلحة الشعب. تخلي عن الواجب ويقول المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاه السابق: نادي القضاة ليس من حق اصدار قرارات ملزمة للقضاة، وإنما يصدر توصيات فقط، والقرارات تعود للجمعيات العمومية بالمحاكم.. وأنا حزين لما أصدرته الجمعية العمومية لمحكمة النقض من قرار الإضراب وتعليق العمل لأن محكمة النقض هي المملكة القدوة التي يحتذي بها ويكن لها الجميع الوقار والاحترام. وأضاف المستشار زكريا عبدالعزيز: لم أكن أتصور أن يتخلي رجال العدالة عن واجبهم في قضاء مصالح الشعب فقد كنا نعتصم بالنادي، عندما تكون لنا مطالب ولا نعطل العمل أبدا، فهناك مسجونون ينتظرون تأشيرة من وكيل النيابة للخروج إلي الحياة، وهناك البعض يتوقف مستقبلهم علي تأشيرة عندما يحكم لهم في أي شأن فكيف نسمح بتعطيل المصالح وننظر إلي الأمور من زاوية ضيقة.. مشيرا إلي أن ما يحدث الآن هو صراع سياسي وتصفية حسابات بين بعض القوي لم ينظر إلي مصلحة الوطن العليا.. وكان القضاة يستطيعون توصيل رسالتهم من خلال الاحتجاجات ولانستخدم الاضراب كوسيلة للضغط علي الدولة لأن الخاسر الأول في هذا الأمر هو الشعب. وأكد المستشار عبدالعاطي الشافعي رئيس محكمة الاستئناف الأسبق أن اعداء مصر نجحوا بالفعل في إلهاء الشعب المصري عن قضاياه المهمة مثل سيناء ونهر النيل.. مضيفا أنهم نجحوا في ادخال مصر في نفق مظلم ونجحوا بامتيار في تحقيق اجنداتهم الداخلية والخارجية. تغول السلطة القضائية وأكد ممدوح اسماعيل محامي الجماعات الإسلامية وعضو مجلس الشعب السابق ونائب رئيس حزب الأصالة السلفي، أن القانون يعاقب أي موظف يحاول تعطيل العمل بالحبس.. مضيفا أن هذا الإجراء ينطبق علي القضاة الذين علقوا العمل بالمحاكم.. وأشار إلي أن السلطة القضائية ارادت أن تظهر القوة وتتغول علي السلطات الأخري من أجل مصالحها الشخصية فقط دون النظر إلي المصلحة العامة. وقال اسماعيل: هناك طرق أخري متاحة للقضاة وآليات متوافرة لهم للاعتراض علي قرارات الرئيس وكلها طرق قانونية لكنهم ارادوا الطريق السهل، وهو ابراز القوة والوقوف في وجه السلطة التنفيذية ولي ذراع الدولة لتحقيق مطالبهم.. وأكد أن عددا كبيرا من المحامين الشرفاء وقفوا بكل حزم في وجه السلطة القضائية وقدموا محاضر ضد القضاة في عدد من أقسام الشرطة. العمل السياسة ويتفق نبيه الوحش المحامي مع الرأي السابق، ويضيف قائلا: القضاة علمونا في احكامهم أن الأجر مقابل العمل وهذا الحكم ضرب القضاة به عرض الحائط وخالفوا القانون من أجل مصالحهم الشخصية فقط لاغير.. والقضاة لو اتخذوا المنصة العالية كما يقولون ولاية من الله فليس من حقهم شرعا تعليق العمل بالمحاكم، وإذا اتخذوا المنصة الشامخة وظيفة فالقانون يعاقبهم علي الامتناع عن العمل.. مضيفا أن قانون العقوبات نظم هذه العملية وأكبر دليل علي ذلك ما حكم به أحد القضاة علي موظفين امتنعوا عن العمل في محافظة أسيوط بالحبس لمدة 3 سنوات. وناشد الوحش القضاة بالعودة إلي العمل وعدم تعليق العمل بالمحاكم لأنهم بذلك الإجراء المتسرع لا يضرون الدولة أو الحكومة بقدر ما يضرون المواطنين البسطاء ولا يعاقبون الحكومة إنما يعاقبون المتقاضين.. وقال: وبحكم القانون وبالاخص قانون السلطة القضائية الذي ينظم عمل القضاة محظور عليهم العمل بالسياسة وهذا ما خالفه القضاة وتركوا المهمة الرفيعة التي كلفوا بها وانغمسوا في الصراعات السياسية تاركين عملهم والنتيجة النهائية تعطيل مصالح المواطنين. ويتفق ايضا د. إبراهيم عناني استاذ القانون بجامعة عين شمس مع الأراء السابقة.. وأكد أن ما فعله القضاة غير قانوني علي الإطلاق ويضعهم تحت المساءلة القانونية. من جانبه يقول د. محمود غزلان المتحدث الرسمي لحماية الإخوان المسلمين: من المؤسف أن يقوم القضاة بتعطيل العمل بالمحاكم وبذلك سيتوقف تحقيق سير العدالة وهذا أمر مرفوض ويجب عليهم أن يقوموا بما لا يضر بمصالح البلد وإذا كان لهم موقف معين يعبرون عليه بطريقة أخري بعيدة عن سير العدالة. ورفض القضاة وقال: بالنسبة للإعلان الدستوري ورفض القضاة له فليس هناك أي علاقة بينه وبين تعطيل العمل بالمحاكم واضرابهم عن العمل لأن ذلك يعد مخالفا للقانون ويمكن لهم أن يعبروا عن ارائهم بطريقة لا تضر بمصالح المتقاضين فمن حق كل مواطن عادي أن يكون له موقفه الخاص سواء كان مؤيدا أو معارضا فالثورة كان من أهم أهدافها تحقيق حرية التعبير ولكن بشرط ألا يعطل مصالح الناس. ليس من حقهم ويقول الفقية الدستوري ثروت بدوي إنه لا يحق للقضاة أو ضباط الجيش أو ضباط الشرطة الإضراب من العمل فهذه تعد جريمة لأن وظيفة القضاء، وكذلك الدفاع والأمن وظائف أساسية لا يمكن أبدا السماح بتوقفها أو الإخلال بها ولو للحظة.. مشيرا إلي أن القانون يمنع رجال القضاء من استخدام أسلوب التهديد بالامتناع عن أداء واجبهم وأنه من اطلقوا هذه الدعوات لا يصلحون للعمل القضائي. وأضاف د. ثروت بدوي: والقضاة يجب أن تتوافر فيهم الحيدة والموضوعية والتجرؤ والاستقلال، وهو الأمر الذي يمنع رجال القضاء من العمل السياسي أو لادلاء بأية أراء تعير عن فكر أو توجه سياسي ينقي عنهم صفة الحيدة.. فالقضاة هم حماة القانون والدستور، كما أنهم حماة حقوق وحريات المواطنين فلا يصح للقاضي أنه يحاول فرض مطالب خاصة.