يعكس التعامل مع الفضاء الالكتروني في الدستور ادراكا للأهمية التي يشكلها وحجم القضايا التي فرضهاداخل المجتمع. ودوره في التغيير في طبيعة الحقوق والواجبات, التي تتطلب لتنظيمها آليات تشريعية جديدة تساعد في وضع الخطوط الفاصلة بين حق المواطن وحماية المجتمع والامن القومي وتأمين الفضاء الإلكتروني. ويضع ذلك الدولة امام تحدي الموازنة بين حرية الاستخدام والحيلولة دون ان يشكل تهديدا للأمن, وفي ظل التزام الدولة بالمواثيق الدولية لحقوق الانسان وميثاق الأممالمتحدة, والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومع تأكيد الاممالمتحدة في يوليو الماضي في سابقة هي الأولي من نوعها أن حقوق الانسان في العالم الرقمي يجب أن تكون محمية ومصانة بنفس القدر الذي تحمي به حقوق الانسان في العالم المادي, وتضمن حقوق الإنسان الرقميةالقدرة علي تداول المعلومات والبيانات في المحيط الذي يعيش فيه, والحق في الوصول إليها واستخدامها, والقدرة علي الاتصال والتواصل مع الآخرين أو مع من يريد من خلال خطوط وشبكات الاتصالات. لم يعط مشروع الدستور اهتماما كافيا بكيفية التعامل مع تلك المستجدات وخاصة في باب الحقوق والحريات وباب الامن والدفاع والهيئات الرقابية والمستقلة. فعلي سبيل المثال نصت المادة21 علي حماية الدولة للملكية بشكلها المادي دون التطرق لشكلها الفكري او الالكتروني, وتجاهلت المادة38 تجريم قطع الاتصالات الي جانب المصادرة والمراقبة, التي استخدمها النظام السابق بشكل سيئ بعد قطع خدمات المحمول والإنترنت في اثناء الثورة, ودون أعمال لمبدأ الضرورة, وخاصة إذا كان هناك عدوان خارجي, وبقرار من جهة تنظيمية تقوم بتحديد حالات قطع الخدمة كعمل استثنائي في ظل مقتضيات الأمن القومي. وتذكر فقط المادة38 الحفاظ علي السرية دون التطرق للخصوصية, التي تتعلق بمحتوي عملية الاتصال وليس فقط سرية الاداة, كأن يتم تسريب المعلومات الشخصية للمواطنين لأسباب تجارية. وفي المادة46 تم ذكرالابداع والانتاج والابتكاردون ذكر الطابع الالكتروني للملكية الفكرية. وجاء في المادة49 أن يقوم القانون بتنظيم وسائط الاعلام الرقمي وهو صعب التطبيق علي الصحف الالكترونية والبث الاذاعي والتليفزيوني عبر الانترنت, وعائق امام تنمية المحتوي العربي علي شبكة الانترنت ورقابة سابقة علية بدلا من ان تكون لاحقة وهي الاجدر في التعامل مع وسائط الاعلام الرقمي. وفيما يتعلق بالمادة215 تم ذكر تولي المجلس الوطني للإعلام بتنظيم البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية, ولم يتم ادراج كلمة محتوي, لمنع التداخل بين الجوانب الفنية والاخري الاعلامية, وهو ما يسبب تداخلا في اختصاصات الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات واتحاد الاذاعة والتلفزيون, وتم تجاهل دور الاولضمن الاجهزة الرقابية في حماية حقوق المستخدمين, وحماية المنافسة في سوق الاتصالات, ووضع شروط لتأمين المعلومات علي شركات الاتصالات الخاصة والاجهزة الحكومية. أما عن ذكر تنظيم الصحافة الرقمية فيحمل مشكلة في التطبيق لوجود اختلاف في مدلولها مع تنوعها من مواقع اخبارية ومواقع تابعة لصحف ورقية وصحف الكترونية ومدونات, ويتم بث عدد كبير منها من خارج الدولة بأسماء نطاقات أو استضافة أو محتوي وهو ما يخرج عن نطاق تنفيذ القانون. من جهة أخري هناك ضرورة في ادخال الفضاء الالكتروني ضمن باب الأمن القومي والدفاع سواء بانشاء هيئات وطنية اخري للحماية والدفاع الالكتروني تخدم المنشآت الحيوية, أو بإنشاءهيئة قومية للهوية الرقمية لحماية سرية المعلومات الموجودة لدي المواطنين. يساعد النص الدستوري في التمهيد لإصدار حزمة اخري من القوانين كتعديل قانون الاتصالات وتبني قانون تبادل المعلومات والتوقيع الالكتروني والتجارة الالكترونية ومكافحة الجريمة الالكترونية وغيرها.ويتطلب ذلك فهما لدور الفضاء الالكتروني ومواجهة تحدياته مع أهمية الموازنة بين الحقوق والواجبات وبين الحرية والأمن.