بقلم :د. أحمد قنديل : توقعات مثيرة فجرتها وكالة الطاقة الدولية في منتصف شهر نوفمبر الماضي. حيث أشارت تقديرات الوكالة إلي أن الولاياتالمتحدة سوف تتفوق علي روسيا, وتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم في2015, كما أنها ستصبح أكبر منتج للبترول, متجاوزة السعودية, في2020, وسوف تكتفي ذاتيا في الطاقة وستكون مصدرة للبترول الخام بحلول عام.2035 وجاءت هذه التوقعات المفاجئة من جانب الوكالة, التي تضم الدول الكبري المستوردة للطاقة,( أوروبا والولاياتالمتحدة واليابان), نتيجة توصل العلماء الأمريكيون إلي تقنيات تكنولوجية جديدة تسمح بإنتاج البترول والغاز عن طريق استخراجهما من الصخور في باطن الأرض, عبر تهشيمها بشلالات مائية ممتزجة بالرمال, ومتدفقة بضغط عال جدا. أسئلة مشروعة هذه التوقعات تعني أن الولاياتالمتحدة, وهي المستهلك الأكبر للبترول في العالم حاليا, ربما تصبح في غير حاجة إلي بترول منطقة الشرق الأوسط, التي تعتمد عليها حاليا بنسبة10 في المائة من وارداتها البترولية, خلال عقدين فقط من الزمان. وهو الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات المهمة, لعل في مقدمتها: كيف سيكون شكل منطقة الشرق الأوسط مستقبلا في ظل تراجع الاهتمام الأمريكي بها؟ وهل ستحتاج دول المنطقة إلي بناء تحالفات ومنظومات دفاعية جديدة تأخذ في حسبانها الاهتمام المتناقص لواشنطن بالمنطقة؟ وهل سيؤدي الانسحاب الأمريكي من المنطقة تدريجيا إلي امتداد ثورات الربيع العربي إلي دول الخليج بعد تراجع دعم واشنطن للنظم الحاكمة في بعضها؟ وهل يحل لاعبون جدد بدل واشنطن في المنطقة, كالصين واليابان والهند مثلا, لتأمين مصالحهم الطاقوية المتنامية بها؟ هذه الأسئلة وغيرها ربما يكون طرحها مبكرا جدا في ضوء الجدل الذي أثارته توقعات الوكالة سالفة الذكر. فبعض المراقبين يشكك أصلا في قدرة الولاياتالمتحدة علي الاكتفاء في الطاقة في المدي المنظور قائلين إن الحلم الأمريكي بعدم الاعتماد علي الواردات البترولية من الخارج ليس إلا سرابا. فمنذ صدمة البترول الأولي, خلال حرب أكتوبر1973 لإجبار الولاياتالمتحدة والغرب علي وقف دعمهم لإسرائيل, تحاول واشنطن, دون جدوي واضحة, تخفيف اعتمادها علي الواردات الخارجية من الطاقة من خلال تطوير بدائل جديدة تشمل الشمس والرياح والطاقة النووية وطاقات متجددة أخري. كل هذه المحاولات كانت محدود النجاح نظرا لارتفاع تكلفة هذه البدائل مقارنة باستيراد البترول من الخارج. المتابع لتصريحات ومواقف أوباما في الآونة الأخيرة يستشف استغناءه الشديد عن منطقة الشرق الأوسط, ويشير بعض المراقبين إلي أنه في إحدي جلسات مجلس الأمن القومي الأمريكي, تساءل أوباما حول جدوي التركيز علي الشرق الأوسط في الفترة المقبلة, وكان الجواب الوحيد علي سؤاله هو الدفاع عن حلفائنا, أي إسرائيل, فرد أوباما انه يمكن فعل ذلك عسكريا من دون الغوص في تفاصيل تشكيل حكومة في بغداد أو كتابة دستور في القاهرة, وان إسرائيل متفوقة عسكريا علي كل خصومها العرب, وبالتالي لاحاجة لوجود أمريكي دائم في المنطقة لهذا السبب. سيناريوهان محتملان اكتفاء الولاياتالمتحدة في الطاقة واستغناؤها عن بترول الشرق الأوسط سيكون له تداعيات إستراتيجية مهمة علي أكثر من مستوي. وفي هذا الإطار, يمكن تصور سيناريوهين محتملين علي الأقل. السيناريو المتفائل يفترض بقاء الوضع الحالي علي ما هو عليه, بمعني ان واشنطن ستواصل جهودها السياسية والاقتصادية والعسكرية الراهنة للحفاظ علي السلام والاستقرار في المنطقة, باعتبارها قوة عظمي تسعي إلي استقرار النظام العالمي. وفي ظل هذا السيناريو, سينشأ تعاون مكثف بين دول الشرق الأوسط وعدد من الدول الآسيوية, وفي مقدمتها الصين والهند, اللتين تتطلعان إلي دول الخليج وإيران بشهية مفتوحة علي البترول والغاز الطبيعي, بفضل التوقعات التي تشير إلي أنهما سيستوردان, بحلول عام2030, حوالي80 في المائة و90 في المائة من وارداتهما البترولية علي التوالي من المنطقة. ومن المنتظر أن تنعكس هذه المعطيات علي مستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط, وواقع الصراع السني- الشيعي في المنطقة. أما السيناريو المتشائم فيستند علي أن اكتفاء الولاياتالمتحدة في الطاقة سيدفع واشنطن إلي افتعال الأزمات في منطقة الشرق الأوسط من اجل تحجيم واحتواء الصعود الاقتصادي والعسكري للصين, لأن أي صراع قد ينشب في المنطقة سوف يبقي الصين دون مصادر للطاقة, وبالتالي إمكانية تركيعها سياسيا واقتصاديا, بل وعسكريا أيضا. من جهة أخري, قد ينعكس استغناء الولاياتالمتحدة عن بترول الشرق الأوسط في شكل فراغ قوة في منطقة الخليج العربي قد تستفيد منه دول أخري, مثل إسرائيل وإيران, وربما تركيا ومصر أيضا. فهذه الدول قد تسعي للسيطرة علي موارد الطاقة الخليجية بشكل أو آخر لزيادة نفوذها الإقليمي, أو للإسراع بظهور المهدي المنتظر, أو لتمويل مشروع إحياء الخلافة الإسلامية. وبغض النظر عن مدي دقة هذين السيناريوهين, ينبغي القول إن اكتفاء الولاياتالمتحدة في الطاقة من شأنه أن يمثل تحديا مهما لمصر وجميع الدول العربية جيو سياسيا واقتصاديا, ومن ثم لابد أن تشبع مراكز البحوث هذا الموضوع درسا للتعرف علي أبعاد هذه التحدي في الشكل والوقت المناسبين.