التعليم هو الوسيلة الرئيسية للمصريين لكي يترقوا اجتماعيا, فالفارق مثلا بين الدكتور أحمد زويل, الحائز علي جائزة نوبل في الكيمياء, أحد المستشارين العلميين لرئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين زملائه أبناء مدينة دسوق الذين يعملون في المجلس المحلي أو المعاون بإحدي المدارس القروية في دائرة بندر دسوق, هو التعليم ولا شيء غيره. (1) ماذا نريد من التعليم الديني في المدارس الابتدائية, والإعدادية والثانوية؟ هل نريد من التعليم الديني أن يكون أداة دعوة أم أداة تثقيف وتنوير؟ المفروض أن التلاميذ يدخلون المدرسة وهم في سن الإدراك, بمعني أن كل واحد منهم يعرف ديانته, لكن معلوماته سواء عن دينه, أو الأديان الأخري, تكاد تكون معدومة, ولا يستبعد أن تسيطر الخرافات والخزعبلات والمعلومات غير الصحيحة علي هذه المعلومات. إذن فوظيفة المدرسة هي توفير القدر المناسب من المعلومات الدقيقة عن الأديان للتلاميذ. ولأجل هذا فإن المأمول عند الحديث عن تطوير التعليم الديني هو أن نجعل الهدف المقصود ليس الدعوة لدين معين بل التعريف بمعني الدين, أي دين, والتعريف بكل الأديان سواء كانت سماوية أو وضعية, بحيث عند نهاية مرحلة التعليم الاساسي يكون التلميذ قد حصل علي معلومات عن الأديان السائدة في مجتمعه, وتكون هذه المعلومات صحيحة ومنضبطة. ومعني هذا أن كتاب مادة الدين لاينبغي أن يكون علي حالته الراهنة, بل يلزم أن يشمل نصوصا رئيسية من: القرآن والإنجيل والتوارة..إلخ, ويجب أن يشمل علي المعالم الرئيسية في تاريخ حياة الرسل الثلاثة. هكذا تتوافر لاتباع الأديان المختلفة قاعدة المعلومات التي يمكن علي أساسها ان يتحاوروا ويتفاهموا معا بشكل يتجنب الصدام والصراع قدر الإمكان. (2) إذا كانت الوحدة الوطنية شيئا مهما للمصريين, فهل يمكن تصور أن معلومات التلميذ العادي الحاصل علي الثانونية العامة عن ديانة زميله في المدرسة, المخالف له في الدين سواء كان مسيحيا أو مسلما تتكون كلها من خرافات أو معلومات غير صحيحة, أو في الحد الأدني مأخوذة من مصادر ربما تكون ليست فوق مستوي الشبهات؟ لماذا نفعل ذلك ولدينا مطابع تستطيع وزارة التعليم أن تطبع فيها ما تشاء من الكتب؟ ولدينا أساتذة اجلاء علي أعلي قدر من التخصص يستطيعون أن يوفروا لأبنائنا كل المعلومات السليمة عن كل الاديان, بحيث نجنب أنفسنا عواقب صراعات وخلافات تفجرها معلومات ما أنزل بها الله من سلطان؟ ألسنا مجتمعا رشيدا يري الحق ويستطيع أن يذهب إليه؟ المذهل إننا نفعل ذلك في حين أن القرآن الكريم ينطوي علي تعريف كامل بالمسيحية, واليهودية, إلي جانب تعرضه لمختلف أشكال العقائد. لماذا لا نبني علي هذه القاعدة القرآنية ونوفر لأبنائنا بأيدينا معلومات موثوقة عن كل الأديان؟ دون ذم في أي دين أو تهوين من قدره, بكل احترام وتقدير.. كيف نطلب الوحدة الوطنية ونحن نعلم أبناءنا أن ديانة أشقائهم في الوطن الذين يستشهدون معهم تحت العلم مطعون فيها, وغير سليمة, وأن كتابهم خاطئ وفيه تحريف؟ وكيف نطلب من الآخرين أن يحترمونا ويتعاملوا معنا بتقدير ونحن نقول إنهم كفرة أو بعضنا يقول عنهم هذا؟ بل إن بعضنا يتلقي تعليما يقول ذلك؟ لماذا لانستفيد من كتاب القراءة الرشيدة فنجعل فيه نصوص من التوراه والأنجيل, ولماذا لانضع نصوصا أخري من ذات الكتب السماوية في مقررات النحو, بحيث لاتقتصر علي القرآن وحده؟ (3) ما أقوله واضح. علينا أن نتوقف تماما عن تلقين أولادنا أي شيء يمس الدين المسيحي أو حتي اليهودي, فعلينا أن نحسن اختيار الآيات القرآنية التي تؤكد قيم التعايش والتكافل والتعاون بين البشر, والآيات التي تركز علي قيمة حرية الإنسان في اختيار العقيدة التي يؤمن بها بلا إكراه من أي نوع, وإذا كانت لدينا آيات أخري تنتقد ديانة اخوتنا في الوطن. فالواجب يقضي بتأجيل تعليم مثل هذه النصوص الدينية إلي مرحلة لاحقة بعد أن تكون مرحلة التنشئة والتنمية والنضج قد استكملت عناصرها, وعلينا أن نتوقف نهائيا عن تسمية من يخالفوننا في الدين بأنهم كفرة. فمثل هذه التسمية بالغة الخطورة, إنها حكم بإهدار الدم, والحق في الحياة. فلكل إنسان الحرية الكاملة في أن يؤمن بما يريد, وحسابه علي الله في الآخرة, أما في هذه الدنيا, فليس علي أي إنسان إلا أن يلتزم بحدود القوانين المعمول بها في البلاد, وألا يخرج عن الأعراف, والتقاليد الاجتماعية, وأن يعمل ويكدح ويدافع عن تراب هذا الوطن... وبعد هذا لاشيء لنا عنده.. سواء كان مسلما أو مسيحيا أو حتي مجوسيا.. فكلنا حسابنا علي الله يفصل بيننا في الآخرة. [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن