هل يمكن تطبيق شرع الله في قلوب نسيت الله؟ وهل يمكن لمليونيات المطالبة بالشريعة أن تحقق الغرض المرجو منها في مجتمع أقام معاملاته, وتفاصيل حياته اليومية, علي الغش والخداع والفساد والأكاذيب؟ وماجدوي الخروج محتشدين, مهللين مكبرين داعين الله, ثم نعود إلي بيوتنا, نخدع ونغش ونكذب, ونأكل أموال الناس بالباطل؟ والقضية تحمل العديد من الأوجه, وتضاربت فيها وجهات النظر, وتثير إحساسين متناقضين: أولهما, تفاؤل وأمل كبيران بأن الشريعة فيها الحل لكل مشكلاتنا, فهيا نطبقها بلا تباطؤ أو تلكؤ, والثاني: خوف كبير من أن يحيد هذا التطبيق عن أصل الشريعة الغراء, فنتمسك بالفرع دون الأصل, فلا يتحقق المأمول. وقد يكون من المناسب, في هذا المقام ضرب مثل, أو مثلين, للذين يطالبون بتطبيق الحدود( باعتبارها الدليل القاطع علي تطبيق الشريعة), ويشيرون إلي حد قطع اليد في السرقة. والمثال كالتالي: ماذا لو أن رئيس مجلس إدارة شركة قطاع عام, أو مؤسسة كبري, أو بنك مملوك للدولة( يعني مال الناس!) جمع أعضاء جمعيته العمومية, وأسبغ عليهم هداياه وبدلاته وحوافزه, فأصدروا له لائحة, أو لائحتين, تمنحه الحق في دخل مقداره مليون جنيه شهريا, بينما شركته خاسرة وتستدين من البنوك لصرف رواتب الموظفين.. فما رأي طلاب الشريعة في مثل هذا التصرف؟ وفي المقابل, ماذا لو أن محاسبا صغيرا في المؤسسة ذاتها تجرأ فمد يده, وسرق ألفا أو ألفين, هل نقطع تلك اليد أم لا نقطع؟ طبعا سنسارع كالبرق إلي جز يد هذا الحرامي الصغير, ونترك الباشا الكبير الذي برع في تظبيط أوراقه كي لايمسك أحد عليه شيئا, بل ربما خرج علينا هذا الذكي يطلب رد شرف لو سألناه: من أين لك هذا ياهذا؟ نحن إذن أمام مشهد في غاية الجمال الشيطاني: كل اللصوص الصغار سيسيرون في الطرقات مقطوعي الأيدي, بينما الكبار الشرفاء تتضاعف ثرواتهم يوما بعد يوم! ما الفكرة هنا؟ الفكرة بسيطة جدا إن الدين ليس مجرد قطع أيد, أو جلد أجساد.الدين تقوي كامنة في القلوب ويصدقها العمل( كما قال المصطفي عليه صلوات الله), والدين استقامة في التصرفات والسلوك, ومن ثم, فإن مانحتاج إليه نحن المصريين الآن هو الدين الحقيقي, وليس دين الصياح والصراخ ورفع الشعارات في الميادين. وهكذا, وبالعودة إلي قصة المليونيات, لماذا لانبدأ من الآن فصاعدا في تنظيم مليونيات ذات مذاق مختلف؟ ولتكن المليونية الأولي تحت شعار المؤمن لايكذب, والثانية لا لأكل الحرام, والثالثة ممنوع إيذاء الأطفال بدنيا ونفسيا, والرابعة أوقفوا البلطجة, وخامسة وسادسة وسابعة.. وحبذا لو حملنا معنا في كل مليونية مرآة, ننظر فيها لمكنون أنفسنا, نتمعن فيها.. ثم نتطهر, ونبدأ من جديد! المزيد من مقالات سمير الشحات