ماذا حدث بعد دخول العالم الثالث في الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية؟ وصلتني دعوة من اللجنة المنظمة للمؤتمر الباكستاني الفلسفي السابع عشر بلاهور في عام.1975 وبعد أن فرغت من قراءة الدعوة دهشت من قضية المؤتمر. إذ كانت عن أزمة هوية مع أن باكستان دولة اسلامية خالصة كانت قد تأسست في28 أغسطس1947 بعد انفصالها عن الهند بسبب دعوي وهابية تحكمت في عقول مسلمي الهند تقول بأن المسلم ليس في امكانه أن يكون أمينا لحاكم غير مسلم. والسؤال بعد ذلك: لماذا اذن تكون أزمة هوية قضية مؤتمر ينعقد في باكستان؟ وكان جوابي علي هيئة سؤال ثالث: هل أزمة هوية انعكاس لأزمة خفية تتجاوز باكستان؟ وكان جوابي علي هيئة سؤال رابع: ما مدي تأثير المؤتمر الفلسفي العالمي الذي انعقد في فارنا في عام1973 علي الوفد الفلسفي الباكستاني أو بالأدق علي وفود الجمعيات الفلسفية في العالم الثالث. انتهيت من هذه الأسئلة إلي جواب تبلور في البحث الذي ألقيته في ذلك المؤتمر, إذ كان عنوانه الأصالة والمعاصرة في العالم الثالث ارتأيت فيه أن ثمة فجوة حضارية بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ليس في الامكان عبورها من غير مرور بمرحلتين إحداهما إقرار سلطان العقل والأخري التزام العقل بتغيير الوضع القائم لصالح الجماهير. بيد أنه ليس في الامكان انجاز هاتين المرحلتين من غير مرور بعصرين وهما: عصر الاصلاح الديني الذي يحرر العقل من السلطان الديني وعصر التنوير الذي يحرر العقل من كل سلطان ما عدا سلطان العقل. وإثر الانتهاء من إلقاء البحث ثار جدل حاد حول مفهوم الفجوة الحضارية, فقد أنكرها فلاسفة باكستان الكبار وأيدها الفلاسفة الشبان. ثم أثير هذا الجدل مرة أخري في وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة. وكان من شأن ذلك كله أن اقترح أعضاء اللجنة المنظمة للمؤتمر بقائي في لاهور لمدة أسبوعين لاجراء مزيد من الحوار فقبلت الدعوة ولكن لمدة أسبوع, وقد كان. فماذا كانت النتيجة؟ اقتراح بعقد مؤتمر لفلاسفة الدول الاسلامية من أجل تأسيس فكر اسلامي جديد. إلا أنني اقترحت اشراك فلاسفة من غير دول اسلامية من أجل إثراء الحوار الفلسفي, وأن تكون هذه المشاركة بداية لتأسيس جمعية فلسفية أفروآسيوية من أجل إجراء حوار حول كيفية ردم الفجوة الحضارية لدي شعوب افريقيا وآسيا. وتمت الموافقة مع تفويضي في تنظيم أول مؤتمر لهذه الجمعية في القاهرة, وقد كان, إذ انعقد في مارس1978 تحت عنوان الفلسفة والحضارة. المفارقة هنا أنني قد علمت أثناء الحوار أن تعاليم أبي الأعلي المودودي(1903-1979) حلت محل تعاليم محمد اقبال(1873-1938) في المؤسسات التعليمية فابتأست. والسؤال اذن: لماذا ابتأست؟ وأجيب بسؤال: ما الاتفاق والافتراق بين اقبال والمودودي؟ إنهما يتفقان في الدعوة إلي الأممية الاسلامية, ولكنهما يفترقان في مضمونها. كان اقبال متأثرا بالفيلسوف الألماني نيتشه في مفهومه عن الانسان الأعلي الذي يضع الارادة فوق العقل لأن الفعل الحاسم هو الفعل الذي لا يؤديه العقل إنما هو الذي تؤديه الارادة. وفي رأي اقبال أن العالم الاسلامي نسي الارادة المسئولة عن احداث التغيير, والتزم بالتراث من غير نقده فتوقف عن ابتداع طرق جديدة. أما المودودي فكاره للغرب إلي حد تدميره, ولهذا أسس الجماعة الاسلامية التي تستند إلي العنف الذي أفضي بدوره إلي الارهاب. وقد تأثر سيد قطب بمفهوم العنف علي نحو ما ارتآه المودودي وذلك في كتابه معالم في الطريق. وتأسيسا علي ذلك كله يبقي سؤال: ماذا حدث للفجوة الحضارية التي كانت مبررا لتأسيس الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية ؟ الجواب في المقالات القادمة. المزيد من مقالات مراد وهبة