عند حافة المغرب.. يعتصر الشفق حمرته المتوهجة ويقطرها لتملأ بالدمع كأسا يجد لمذاقها برودة الثلج المذاب في قنينة العطر فيشرب.. ويشرق.. يشرق بغصته الخاصة حين يتذكر أنه وحده.. ولانديم هناك. ....... يغني فريد الاطرش في مذياع قريب.. وحداني هاعيش كده وحداني.. ولا اقول ياغرام أبدا تاني.. هل الوحدة ان نعيش بغير حب؟! .. أم الوحدة أن يدركنا السأم.. ويضجرنا البشر.. قال سارتر.. الجحيم هو الآخرون. فهل الفردوس هو... أنا؟ العشق يسربل الموجودات برماد مازال يتصاعد منه الدخان.. تعلو الغشاوة اسوار المرئيات.. ومن غبش المساء تنفذ أشعة متقطعة لنجميات قريبة.. ويتسلل اريج ياسمينة قريبة تعلو شرفة الجيران.. وقنديل خافت الضوء ينار عند المدخل.. لكن الصمت يسود.. حتي شقشقة الاسراب العائدة من رحلة النهار صمتت فجأة. يضطرب صدره بخفقة ملتاعة حين يتذكر أنه وحده.. ولانديم هناك! يقرأ كثيرا عن وحدة الشعراء وارباب الخيال ويراها وحدة مفعمة بالوجود الحار لعرائس الوحي.. وحده الفنان لايعيش في وحدة.. لايمكن ان تسجنه الجدران ولا الهجير ولا عواصف الشتاء.. فأفكاره تحلق حوله كحوريات البحر. قادر هو علي الائتناس بعالمه وخلق موجوداته ويرفض أن يقال عنه ما يشير الي فراغ العالم حوله.. إذ هو خبير بملء الفراغات وإفراغ الحياة من تفاهات الاقتحام. الليل في هزيعه الأول يضج بأصوات الناس والشارع ومغاني الروابي القريبة.. عند التلة البعيدة تنعكس اضواء ملونة علي مسطح مائي معتم وتأتي أنغام تبعثرها ريح صيفية نزقة.. هناك تبدأ السهرة!! في امسيات بعيدة لم يكن وحده! كانت هنا.. دائما.. عند مهب الانفاس الحارة.. وكانا يتشاجران.. ثم يتفقان علي انهاء قصتهما القديمة والرحيل.. وجرعة الوداع ترسم في العيون دمعة انسحاب.. فيمزقان كل الاتفاقات.. ويبكيان حتي الفجر.. أما الآن فلم يتبق إلا أصداء تتردد في آذان اصابها صمم الوحدة. الليلة يبكي.. لانه تذكر انه وحده.. ولانديم هناك. في مسكن قديم لايذكر لمن كان تطالعه في ذكرياته صورة لوحة عتيقة كتبت عليها حكمة.. الوحدة خير من جليس السوء. أحقا؟.. ومن هو جليس السوء؟ صديق حقود يملؤك غضبا ويحرضك ضد الحياة؟.. أم عربيد ماجن؟ يدعوك للاغتراف من ملذات عالم لا خلود له ولا بقاء فيه لشئ؟ أم تراه ملاكا أو جنيا يعلمك السحر فتعزف أو ترسم أو تكتب أم تراه أنت.. فأنت هو.. وبعض منك يثور عليك. البلادة ليست هي الوحدة. في الهزيع الاخير يقطع البنفسج رداء الليل الاسود. مع انطفاء الاضواء الملونة في التلة.. لايبقي سوي القنديل في شرفة مجاورة. يشع بنور مخضر تنفر منه الفراشات. لكن البنفسج يزحف ويترامي عند الاقدام.. ورائحة الياسمين تفعم النسمات الفجرية.. هناك دفء موعود.. وشمس تقترب.. وكانت الكأس مملوءة.. لم تلمس الشفاه حافته.. سقطت فيها فراشة حرق الضوء جناحها مازال القنديل يخفق بنوره الاخضر وفي الشرفة هناك.. قيثارة مهجورة.. وفتاة نائمة وعلي وجهها ورقة ياسمين. .. أنفاس تتردد في صدر يخفق والرحلة تصل إلي حافة الهجوع. وقد آن لك ان تمسح دمعك.. لم تكن أبدا وحدك.. فقط لم تر عيناك النديم.