محمد عيسي الشرقاوي : منذ شهرين, عقد نفر من الرجال المدججين بالسلاح, اجتماعا سريا, وقرروا اغتيال فتاة في الرابعة عشرة من عمرها, لم ترتكب إثما.. ولم تقترف جرما. ولكنها كانت تدعو إلي أهمية تعليم البنات. وتفضح المتخلفين الذين يغلقون مدارس البنات ويحرقونها, وكأنها ثكنات عسكرية معادية! أو كأنها طروادة تسلل به الأعداء إلي قلب البلاد لإلحاق الهزيمة بها! وكانت الفتاة الباكستانية ملالا يوسف, التي صدر حكم طالبان باغتيالها قد جرؤت علي تحدي طالبان إبان سيطرتهم علي وادي سوات. وكانت آنذاك طفلة في الحادية عشرة من عمرها. وكان والدها وهو معلم وناشط سياسي مناهضا لطالبان ويشد من أزرها. وانتقدت ملالا باسم مستعار علي مدونتها همجية طالبان. ولكن ملالا قفزت إلي دائرة الضوء, عقب إنهاء القوات الباكستانية لسيطرة طالبان علي وادي سوات عام.2009 وعندئذ شرعت في التعبير جهرا عن دعوتها لتعليم البنات. ولهذا صدر قرار قتلها. وتمكن مسلحان من إيقاف حافلة كانت تستقلها منذ أيام مع غيرها من الفتيات, في رحلة عودتها من المدرسة إلي منزلها. وأطلق أحدهم الرصاص عليها ولاذا بالفرار. والمثير للدهشة أن طالبان أصدرت بيانا عسكريا اعترفت فيه بمحاولة اغتيالها.. وكأنها العدو الذي يعرقل المسيرة الظافرة للعودة إلي الكهوف المعتمة للقرون الوسطي. وبينما كانت ملالا ترقد في المستشفي في حالة حرجة, تأجج السخط الشعبي علي طالبان. وكان مشهد جموع التلميذات والأمهات وهن يلهجن بالدعاء حتي تتماثل ملالا للشفاء مؤثرا وموحيا.. من يريد العودة إلي دهاليز القرون الوسطي فليعد إليها, ويوصد عليه الأبواب. {{{ لم تكن ملالا وحدها من استهدف طالبان قتلها. لقد ارتكبت طالبان جريمة نكراء كان ضحيتها فتاة أفغانية اسمها عائشة. وكانت لا تزال صبية عندما انتزعها والدها من أحضان أمها. وقدمها كفدية لأسرة أخري, وذلك مقابل قتل عمها أحد أفراد هذه الأسرة.. وهذا فيما يقال العرف السائد المتخلف في المناطق التي تسيطر عليها طالبان. وزج أفراد هذه الأسرة بعائشة في حظيرة المواشي.. وأوسعوها ضربا. وعندما شبت عن الطوق تزوجها شاب من الأسرة, كان من مقاتلي طالبان. وأساء معاملتها. وتمكنت من الهرب من هذا الجحيم.. واستقر بها المقام في قندهار. لكن زوجها لم يدخر وسعا في البحث عنها. وعندما عثر عليها اقتادها إلي القرية. وعقد مجلس حرب طالبان محاكمة لعائشة, التي ألحق هربها العار بزوجها. وصدر الحكم بأن يقطع زوجها بسكين أذنيها وأنفها. وقد فعل. وتركوها تنزف دما في مكان ناء ومهجور. وشاءت الأقدار, أن تفلت عائشة من الموت. فقد عثرت عليها دورية عسكرية, وتم نقلها للمستشفي للعلاج. ولما أدركوا مأساتها, رحلوها إلي مكان آمن في العاصمة كابول, توطئة لنقلها إلي أمريكا لإجراء جراحة تجميلية لتركيب أنف اصطناعي. ونجحت العملية. {{{ وكانت مجلة تايم الأمريكية قد كشفت في أغسطس2010 مأساة عائشة. وفي ذلك الوقت كانت طالبان تستجمع قواها بعد نحو تسع سنوات من الحرب الأمريكية علي أفغانستان. واقترنت عودة طالبان في أفغانستان, بعودتها في باكستان. وإذا مانحينا جانبا المعارك التي استمرت بين طالبان والقوات الأمريكية, فإن طالبان في كلا البلدين استهدفت مدارس البنات باعتبارها رجس من عمل الشيطان! ويتعين إغلاقها وحرقها حتي لا تتعلم البنات, وحتي ترفرف أعلام الأمية والجهل وبيارق التخلف. اللهم انقذ الأمة من هذا البلاء المبين.. والمجد للبنات, ولكل الأمهات.