يعلم كل إنسان المبدأ الأصولي المعروف والثابت في كل الدساتير أن أي متهم بريء حتي تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. ولا تقام الدعوي الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون( الادعاء المباشر في الجنح). وقد أناط قانون الإجراءات الجنائية بالنيابة العامة بعد التحقيق إذا رأت أن الأدلة كافية رفع الدعوي إلي المحكمة المختصة سواء كانت محكمة الجنايات أو محكمة الجنح. ونص هذا القانون علي أن الدعوي ترفع في مواد الجنايات بإحالتها من المحامي العام المختص أو من يقوم مقامه إلي محكمة الجنايات بتقرير تبين فيه الجريمة المسندة إلي المتهم بأركانها المكونة لها ومواد القانون المراد تطبيقها وترفق به قائمة بأدلة الإثبات سواء كانت أقوال الشهود أو تقارير الخبراء أو كليهما معا. ونص القانون المشار إليه علي أنه إذا رأت النيابة العامة في مواد الجنايات أو الجنح أن تحقيق الدعوي بمعرفة قاضي التحقيق أكثر ملاءمة بالنظر إلي ظروفها الخاصة جاز لها أن تحيل الموضوع إلي وزير العدل ليطلب من رئيس محكمة الاستئناف ندب مستشار للتحقيق ويكون الندب بقرار من الجمعية العامة ويكون المستشار المندوب هو المختص دون غيره بإجراء التحقيق من وقت مباشرته العمل. إذا رأي قاضي التحقيق أن الواقعة جناية وأن الأدلة علي المتهم كافية يحيل الدعوي إلي محكمة الجنايات ويكلف النيابة العامة بإرسال الأوراق إليها فورا. وغني عن القول أن إحالة أي شخص إلي محكمة الجنايات سواء من قبل النيابة العامة أو مستشار التحقيق, هو قرار خطير وله رد فعل عنيف لدي المتهم, إذ إنه منذ هذا الوقت يدخل المتهم داخل نفق مظلم يبدأ من ألسنة الناس سواء الغرباء أو الأقارب, وعليه أن يختار من يحسن الدفاع عنه وأن يستعد في ترتيب أموره المالية من أتعاب للمحامي ومصاريف لا قبل له بها وهي ظروف قد تضطره إلي الاستدانة إلي غير ذلك من أمور ثم تأتي الطامة الكبري, وهو يوم المحاكمة إذ إنه باليقين بريء حتي تثبت إدانته إلا إنه يودع داخل قفص حديدي حتي لو كان مفرجا عنه وليس محبوسا احتياطيا. لذلك, فإن إطلاق حق الإحالة إلي محكمة الجنايات للنيابة العامة أو مستشار التحقيق يتعين إعادة النظر فيه ضمانا لحق المتهم في أن يحال إلي هذه المحكمة بواسطة درجة من درجات التقاضي تكون بعيدة عن سلطة الاتهام إذ إن إدماج سلطتي التحقيق والإتهام في جهة واحدة يخل بمصداقية ضمان البراءة حتي تثبت الإدانة. وكان قانون الإجراءات الجنائية يأخذ بهذا النظر, بحيث لا يحال المتهم إلي محكمة الجنايات إلا بواسطة مستشار الإحالة وهو مستشار يمثل دائرة من دوائر محكمة الاستئناف ناط به القانون دراسة أوراق القضية التي طلبت فيها جهة التحقيق إحالتها إلي محكمة الجنايات, وله الحق في حفظها( التقرير بعدم وجود وجه لإقامة الدعوي الجنائية فيها) أو إحالتها إلي دائرة الحكم المختصة إذا رأي أن أدلة الاتهام مرجحة القبول. وهذا النظر كان منصوصا عليه في المواد من170 إلي196 من قانون الإجراءات الجنائية وتم إلغاء هذه المواد بالقانون رقم170 لسنة1981 المنشور بالجريدة الرسمية العدد44 مكرر الصادر في4 نوفمبر.1981 ويتضح من تاريخ إصداره أنه تم العمل به بعد حادث المنصة الذي اغتيل فيه الرئيس السادات. إذ كنت أؤيد إعادة غرفة المشورة أو مستشار الإحالة فإنني أقترح أن تكون درجة الإحالة موكلة إلي دائرة ثلاثية من المستشارين ضمانا لحق المتهم في أن يلقي محاكمة عادلة وألا تنفرد جهة التحقيق والاتهام في الوقت ذاته بأمر الإحالة إلي محكمة الجنايات وأن يتاح للمتهم أمام هذه الدائرة حق الدفاع كاملا. والنص علي وجود دائرة جنائية في محكمة الاستئناف تخصص للنظر في إحالة الجنايات التي تم تحقيقها سواء بمعرفة النيابة العامة أو مستشار التحقيق يحقق عدة ضمانات لأي متهم لا يلقاها حاليا حتي تخرس الألسنة التي قد تطعن علي قرار الإحالة الذي يصدره مستشار الإحالة سواء بالندب إلي جهات تنفيذية إو إعارة إلي دولة خارجية, كما أنها تجعل عدم وجود درجة استئنافية أخري لنظر موضوع الجنايات أمرا لا محل له ولا داعي لوجوده.