لاشك أن حكم تبرئة كل المتهمين في موقعة الجمل, كان له واقع الصدمة علي القوي الثورية, والساعين لتحصيل حقوق الشهداء المستحقة, الذين سقطوا طوال أيام الثورة. وبدا من ردود الفعل الغاضبة من اتجاهات سياسية ومجتمعية عدة, أن الانطباع السائد أن حكم البراءة قد يعد التفافا واضحا علي مطالب الثورة الخاصة بالقصاص ممن استباحوا دماء المتظاهرين السلميين, الذين ناضلوا من أجل التغيير, والقضاء علي نظام ديكتاتوري فاسد أطفأ أنوار الآمال في نفوس المصريين المتطلعين لغد أفضل. وبكل تأكيد فإنه يمكن تفهم بواعث الغضب, والحنق الطاغي, الذي بلغ حد التشكيك في نزاهة القضاء المصري, غير أن الخوف كل الخوف أن يقود هذا الغضب لفقد المصري إيمانه بجدوي إقامة دولة العدالة والقانون, وأن ينظر للأمر من زاوية مدي انطباق معايير واشتراطات العدالة علي مجريات محاكمة المتورطين في موقعة الجمل, وهذا ما يجب أن يشغلنا. فمعايير العدل تحتم أن يتوافر لطرفي القضية الحق الكامل في تقديم ما لديهما من دلائل ومستندات تثبت وجهة نظرهما وموقفهما منها, وأن يحكم القاضي بناء علي ما تحت يده من أوراق إثبات أو نفي, وقبل هذا وذاك أن تتوافر الإرادة الصادقة في الإتيان بحقوق من قتل ظلما وعدوانا, لأنه سعي لنيل حريته, وإذا ظهر ما يشير إلي فشل أحد الطرفين في القيام بواجبه, حينها سيختل الميزان, وتشتعل نيران الغضب في أوساط المجتمع المندهش من كثرة أحكام البراءة لأركان نظام الرئيس السابق حسني مبارك. لذلك يتعين علي الجميع التشبث بأحد أهم ثوابت ثورة الخامس والعشرين من يناير, ممثلة في بناء دولة العدالة علي قواعد راسخة لا تعصف بها الرياح, مهما كانت قوتها, وأن تتكاتف الأحزاب والمنظمات المدنية لطرح تصوراتها بهذا الشأن, وأن توضع منظومة لا يتسرب إليها الشك تؤدي للقصاص العادل من قتلة الشهداء, وإلا فإن تضحياتهم ستكون هباء منثورا.