القضاء هو الملاذ الأخير لكل مظلوم وكل صاحب حق، إذا تشككنا في أحكامه أو قراراته فسنفقد الثقة في آخر حصن لنا جميعاً، القضاء المصري بخير والقضاة لا يحكمون إلا بما يلهمهم الله سبحانه وتعالي به وما تشعر به ضمائرهم، لقد أمر الله سبحانه وتعالي كل من كان في موقع الحكم، أن يحكم بين الناس بالعدل، فالعدل هو أساس الملك، وهو إلهام من الله عز وجل. أقول هذا بمناسبة الهجوم الشرس الأخير علي حكم القضاء ببراءة بعض ضباط الشرطة الذين اتهموا بقتل المتظاهرين أمام قسم شرطة السيدة زينب بالقاهرة، قد يغيب عن البعض أن القاضي لا يحكم إلا بالأوراق المعروضة أمامه وما يسمعه من أقوال الشهود وما يقدم له من دلائل، القاضي الجنائي هو قاضي اقتناع، أي أن القاضي لابد له أن يقتنع بأن المتهم الماثل أمامه هو الذي اقترف الجرم المنسوب إليه، وغني عن البيان أن هناك قاعدة قانونية راسخة مفادها «أنه أولي للعدالة أن تبرئ مائة مذنب، عن أي تدين بريئاً واحداً» وعلي ذلك جاءت القاعدة القانونية التي تقضي بأن «الشك يفسر لصالح المتهم». أعود فأقول إن القاضي لا يعنيه تبرئة المتهم أو إدانته في شيء، فهو ليس خصماً أو مناصراً لأحد، وهو يحكم بما يلهمه به الله، وما يمليه عليه ضميره، فمن اقترف الجريمة، حق عليه الجزاء، ومن تشكك في أمره حقت له البراءة، هذه حقائق معروفة عند رجال القضاء، رأيت أن من واجبي أن أوضحها للقارئ العزيز حتي يتفهم حقيقة مهمة رجل القضاء. وما يقال عن الأحكام القضائية، يقال أيضاً علي القرارات القضائية، فيما أثير مؤخراً من اتهامات أو ادعاءات علي صحة ما تم من إجراءات من قبل منظمات المجتمع المدني، من تفتيش أو ضبط بعض الأشياء والمستندات، هذه الادعاءات مرفوضة تماماً لأن الذي يتولي التحقيقات في الوقائع المنسوبة لهذه المنظمات هم رجال القضاء «قاضي التحقيق» وغني عن البيان أن قاضي التحقيق لا صلة له لا بالسلطة التنفيذية ولا بالنيابة العامة، كما أن الاستعانة برجال النيابة في التفتيش أمر مطلوب لإضفاء الحماية والشرعية، لمن تم تفتيش مقراتهم، ومن هنا فإن الاتهامات والأقاويل التي توجه في هذا الشأن أمر مرفوض تماماً، خاصة إذا ما وجهت إلينا من الخارج. وإذا كان هذا حالنا سواء بالنسبة للحكم الصادر بالبراءة لبعض الضباط من رجال الشرطة أم بالنسبة لما يتم من إجراءات قبل بعض المنظمات المدنية، فما القول إذن إذا ما حكمت المحكمة المنوط بها محاكمة الرئيس السابق وأعوانه بالبراءة من تهمة الاشتراك في قتل المتظاهرين؟.. البادي مما نشر في بعض الجرائد أن كبار المسئولين الذين شهدوا في هذه القضية نفوا صدور أمر من الرئيس السابق بقتل المتظاهرين ومنهم من نفي سماعه لهذا الأمر، فإذا كان ذلك هو واقع الحال، أليس من المحتمل أن تتم تبرئة الرئيس السابق من هذه التهمة؟.. وإذا كان ذلك فماذا يا تري سيحدث في مصر؟ هل ستقوم ثورة أخري؟.. هل سنشاهد مزيداً من القتل؟.. هل ستضيع دماء الشهداء هباء منثوراً؟.. في الحقيقة إن الأمر في غاية الخطورة والتعقيد، ويجب أن يقتنع الناس في النهاية بأن القضاء يحكم بما أمامه من أدلة وقرائن، فالقاضي لا شأن له بشخصية المتهم ولا بمركزه ولا بصفته، فالعدالة عمياء والقاضي يحكم وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالي هو المنتقم الجبار، من كل مجرم آثم حتي ولو تمت براءته خطأ. من هنا فإنني أطالب أولي الأمر منا بضرورة النظر بسرعة تقديم الرئيس السابق لمصر وجميع أعوانه إلي قضاء خاص يتشكل من رجال عسكريين وبأغلبية مدنية، لكي يتولوا محاكمة هؤلاء الذمرة عن الفساد والإفساد في الأرض، لقد ارتكبت هذه الذمرة في حق مصر وفي حق شعب مصر، جرائم عديدة لا تغتفر ولابد من محاكمتهم محاكمات عاجلة وناجزة، حتي يرتاح الضمير وتهدأ النفوس. إن مطلبي هذا وإن كان في ظاهره شاذاً، إلا أنني لا أبغي من ورائه إلا حماية رجال القضاء والقضاء نفسه بصفة عامة من القيل والقال، فقد تطايرت في الآونة الأخيرة بعض التلميحات والاتهامات بأن القضاء المصري مسيس وأنه غير مستقل وأن الأحكام تملي عليه، وهذه كلها أقاويل كاذبة لا أساس لها من الصحة، فالقضاء المصري، هو الحصن الحصين لكل مظلوم وكل صاحب حق والملاذ الأخير لنا جميعاً.