حالة من الفزع والخوف بدت علي صوت صديقي المستشار رئيس احدي محاكم الجنايات خارج القاهرة وهو يحادثني في الهاتف معلقا علي ما يجري في الكثير من المحاكم المصرية في الفترة الأخيرة. قال : هل تتصور ماذا يكون شعور القاضي وهو يشاهد بعينيه مظاهرات حاشدة خارج المحكمة من أقارب المتهمين ؟. وهل تتخيل ما معني أن يقتحم العشرات غرفة المداولة في إحدي المحاكم مطالبين القاضي بضرورة اصدار أحكام بالبراءة علي ذويهم الذين لم يحضروا أصلا من محابسهم للجلسة وعندما يحاول توضيح الأمر يفاجأ ببعضهم يحاولون الاعتداء البدني عليه ؟ . وهل يمكن أن يجري هذا كله في ظل غيبة من أي حماية أمنية للقضاة في محاكمهم ؟. ويضيف صديقي - الذي أعرف عنه وله هدوءه وحكمته وعدم انفعاله - وهو يقص علي كيف أن قاضيا زميلا له اضطر فعلا الي اصدار أحكام مخففة علي عدد من المتهمين خوفا علي حياته من محاولات للفتك به حيث أن هؤلاء من أقارب ومعارف المتهمين ردوا عليه بأن البلد تعيش حالة من حالات الفلتان التي لا تستدعي من سدنة العدل أن يعملوا القانون بهذا الأسلوب المتشدد من وجهة نظرهم بالطبع . ولأن القاضي هو في النهاية انسان فانه لا يستطيع أن يواجه بمفرده مثل هذه الحالة من الغيبة الجماعية للعقل والثورة ضده دون توافر حماية تضمن له حياته وتضمن في الوقت ذاته هيبة القضاء والقضاة . جرت هذه المحادثة الهاتفية قبل أكثر من أسبوعين وكان ردي علي صديقي القاضي الفاضل أن ما جري معه أو مع زملاء له هو أمر طارئ بسبب حالة ما بعد الثورة التي اطلق الناس لأنفسهم بعدها العنان في أعقاب سنوات طويلة من القهر والقمع . وهكذا يكون حال الذين يجربون الحرية للمرة الأولي بعد قهر طويل أشبه بالعصفور الذي يحاول الطيران للمرة الأولي بعد سنوات في قفص . أو ذلك السجين الذي عاش لسنوات في زنزانة ضيقة مظلمة عندما يخرج للمرة الأولي فيتعثر في مشيته ولا يستطيع أن يفتح عينيه في ضوء الشمس . وقلت له ان الأزمة الحقيقية هي أن هؤلاء الذين ينتقدهم يعانون خلطا في المعني ما بين الحرية والفوضي ومن هنا يحدثون حال الفلتان الذي نعيشه حاليا في مختلف المجالات ومن دون استثناء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا واعلاميا . وهو فلتان وليس انفلاتا كما يصفه البعض لأن الانفلات يحمل معني أن هناك محاولة ما للمنع من الافلات أما الفلتان فهو الفوضي التي لا تجد من يحاول ايقافها . وفوجئت خلال الأيام القليلة الماضية بما أبلغني به صديقي القاضي وقد وصل الي حد مخيف . حيث أصدر مجلس رؤساء محاكم الاستئناف في الاسكندرية بيانا يوم الأربعاء الماضي أكد فيه أن قضاة محاكم الجنايات في مصر تعرضوا لاعتداءات من بعض المتهمين وذويهم بشكل يعرض حياتهم للخطر فضلا عن تعطيل العمل بالمحاكم والاخلال بهيبة القضاة وعدم تمكينهم من أداء عملهم علي الوجه الأكمل . وحدد بيان لرئيس نادي القضاة بالاسكندرية ورئيس محكمة الجنايات المستشار محمد عزت عجوة دوائر بعينها شهدت انعدام الأمن داخل قاعات المحاكم بما يمثل اخلالا خطيرا بمبدأ سير العدالة . والحقيقة أنني تصورت أن كل وسائل الاعلام المصرية مكتوبة ومسموعة ومرئية سوف تهب جميعها للدفاع عن القضاء المصري في مواجهة هذه الظواهر الخطيرة . لكنني- وبكل الأسف - وجدت تجاهلا اعلاميا "غير مبرر وغير مفهوم" اذ لم تهتم بهذا الأمر الخطير سوي صحيفة يومية واحدة هي صحيفة " الشروق" فيما غابت كل الصحف الأخري عن تناوله بأي شكل من الأشكال فبتنا وكأننا نخشي انتقاد الخارجين علي القانون والأعراف والأخلاق . ان هؤلاء الذين ملأوا قاعة محاكمة وزير الاسكان السابق أحمد المغربي ورئيس مجلس ادارة أخبار اليوم السابق عهدي فضلي ملأوا القاعة تصفيقا - وهو أمر مرفوض في قاعات المحاكم - لممثل الادعاء وهو يقوم بواجبه في مرافعته التي افاض فيها بأوصاف تقشعر لها الأبدان في حق المتهمين رفضوا اتاحة الفرصة لهيئة الدفاع في تفنيد الاتهامات ضد موكليها ودخلوا في مشادات مع هيئة المحكمة الي درجة اضطرت رئيس المحكمة الي أن يقول لهم بالحرف الواحد: " احنا مش حنبقي أبطال لو أصدرنا أحكاما علي أناس لا يستحقونها لأننا لا تهمنا الثورة ولا ميدان التحرير بل يهمنا رب كريم سنواجهه يوم القيامة وتراب سنودع فيه".. اننا اليوم في اختبار - ولا أقسي - من الله سبحانه وتعالي الذي جعل العدل اسما من اسمائه ولم يجعله العادل فقد اختار أن يوصف بالاسم وهو أصل الاشتقاق ليؤكد للبشر أن العدل هو أساس السموات والارض . واذا كان العدل اساس الملك، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل، وبغير العدل يضطرب الطريق . فالقضاء هو حارس المشروعية والحريات، ، وهو الحصن المنيع الذي يحمي كل مواطن حاكماً أو محكوماً من كل حيف في يومه وغده ومستقبله. كما أن القضاء العادل هو صمام الأمن في المجتمع فإليه يلجأ كل مظلوم بحثا عن الانصاف . ومن هنا وجب علي الجميع دون استثناء أن ينتصروا للعدل فينتصروا للقضاء. أعجبني : اهتمام معظم الصحف اليومية بنشر تفاصيل مرافعات الدفاع في معظم القضايا المطروحة علي المحاكم هذه الأيام ذلك أن تحقيق العدالة الاعلامية ينبغي أن يدفع الجميع الي منح الفرصة للعدالة لأخذ مجراها فالملاحظ هذه الأيام أن البعض يخلط ما بين الاحالة الي المحاكمة "العادلة " وبين الادانة والبحث عن العقاب . لم يعجبني: الظهور الاعلامي بعد غياب للمذيع شفيع شلبي في برنامج "مصر النهاردة".. فالسيد شلبي في الحقيقة منذ اللحظة الأولي ظهر بالملابس "الكاجوال" علي رغم كون البرنامج تلفزيونيا وكأنه يوجه رسالة ما الي المشاهدين بعدم استحقاقهم شيئا من اهتمامه بالظهور عليهم بعد غياب طويل مهما كانت أسبابه . فهو كان يرتدي ملابس لائقة قبل ذلك . لكن اذا اعتبرنا الملابس أمرا شخصيا فان أحدا لا يمكن له اعتباره شخصيا أيضا ذلك الأسلوب غير اللائق في التعامل مع مذيعتي البرنامج كما لو كانتا طفلتين تتلقيان دروسا من السيد شلبي . ولا أنسي أنني بصراحة شديدة لم أفهم تحديدا بعد نحو نصف ساعة ماهي الرسالة التي حاول السيد شلبي ايصالها الينا . كلمة أخيرة المطالبات المستمرة من جانب البعض بتعيين محافظين جدد أثارت قلقي علي المسار الديمقراطي الذي نتمناه لمصرنا . ذلك أنني تمنيت علي الجميع أن تكون الدعوة هي لانتخاب محافظين جدد . فلتكن الدعوة وفورا الي اعلان خلو وظائف المحافظين في كل المحافظات المصرية ودعوة من يجد في نفسه القدرة والكفاءة لترشيح نفسه وترك فرصة اسبوعين علي الأقل لكل مرشح ذ بعد تحديد الشروط الأساسية ذ لتقديم نفسه لجماهير كل محافظة . ثم تجري انتخابات في يوم واحد يتم بعدها تعيين الفائز في المنصب وبالتالي نوفر كوادر كثيرة يمكنها فيما بعد أن تصبح جاهزة للترشيح لرئاسة الجمهورية . اللهم احفظ مصر وطنا للعدالة والحرية والأمن والأمان . [email protected]