لأول مرة في التاريخ الحديث لليابان, تستضيف طوكيو الاجتماعات المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين المقرر لها يوم الجمعة المقبل(12 14 أكتوبر الحالي), وسط هذا المشهد المعقد متشابك الاطراف, الذي تداخلت فيه السياسة مع الاقتصاد وتوترات اقليمية ناجمة عن ميراث تاريخي سابق. ولأول مرة في تاريخ انعقاد وزراء مالية الدول السبع الكبار لاجتماعاتهم وما تتضمن من ملفات تتعلق بالنظامين الاقتصادي والمالي العالميين, تكون اجواء طوكيو ملبدة بالمواجهات الساخنة بين عمالقة الاقتصاد الآسيوي( الصين واليابان). ويعد هذا المشهد نتيجة طبيعية للعبة الكراسي الموسيقية بين الأحزاب السياسية اليابانية, فها هو الحزب الليبرالي الديمقراطي يوغل نحو اليمين مدعوما وداعما لصقور السياسة في اليابان, متطلعا للانتقال من مقاعد المعارضة إلي مقاعد الحكم بينما اثبتت أحزاب اليسار الياباني, إبتداء من الحزب الاشتراكي إلي الحزب الديمقراطي, عجزهما عن ترجمة الشعارات والبرامج الاجتماعية والاقتصادية, إلي افعال ومعطيات علي أرض الواقع, خلال الفرص التي اتيحت لهما للحكم في اليابان حكومة موراياما في منتصف التسعينيات, وثلاث حكومات ديمقراطية منذ سبتمبر2009 حتي الآن. الصقور: التطور الجديد في صعود الصقور السياسية علي الساحة اليابانية لم يقتصر علي محافظ طوكيو شينتارو إيشيهارا الذي فجر أزمة الجزر الخمس وقام بجمع1.8 مليار ين لشرائها من مالكيها وما تلا ذلك من اعلان الحكومة الديمقراطية الحالية, تأميم هذه الجزر, لإبعاد المحافظ المشاغب عن هذا الملف الشائك, واعطاء فترة لالتقاط الانفاس بين الجانبين الياباني والصيني, وذلك من وجهة نظر يوشهيكو نودا رئيس الوزراء الحالي. ولكن الجديد تمثل في فوز شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني الأسبق صاحب كتاب تجاه أمة جميلة بزعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي, مرة أخري, بعد ان فقد منصبه وزعامة الحزب في عام2007, بقراره الاستقالة بعد عام واحد من توليه الحكم!! وعلي الرغم من ان توليه لمنصبه السابق, جاء بعد فترة استقرار سياسي دامت خمسة أعوام خلال حكم جونيشيترو كويزومي, بالاضافة إلي أن فترة توليه منصبه شهدت انتحار وزير وتغيير عدة وزراء بالاضافة الي فضائح مالية في غضون عام واحد, ومهدت الطريق لتولي الحزب الديمقراطي للحكم في اليابان( بعد عامين). لذلك فإن شينزو عاد الي المسرح السياسي ممعنا في الاتجاه اليميني, ومنذرا باتساع نطاق القضايا الشائكة حول الجزر المتنازع عليها ابتداء من الصين وتايوان الي كوريا الجنوبية وروسيا, ومجددا المخاوف حول اتجاهاته. الرامية لإعادة النظر في الدستور الياباني, خاصة المادة التاسعة, وما تتضمنه من نبذ إعلان الحرب, بالإضافة إلي محاولاته السابقة لإعادة النظر في كتب التاريخ واحتلال بلاده لكل من كوريا والصين, وأخيرا تأتي قضية فتيات المتعة, حيث دعا آبي إلي إعادة النظر في الاعتذار الذي سبق تقديمه في عام1993!. ويعد هجومه العنيف علي الحكومة الديمقراطية الحالية وسياساتها في مواجهة الكارثة النووية التالية لزلزال هوكوشيما, بالإضافة إلي دعمه لآراء محافظ طوكيو فيما يتعلق بإقامة منشآت بحرية في الجزر التي تم تأميمها بحيث تكون صك ملكية فعلية في مواجهة الصين, ودعوته إلي تعافي اليابان وقيام يابان قوية بمثابة خريطة طريق ستؤدي به إلي الفوز في الانتخابات العامة المقبلة. وعلي الرغم من هشاشة الأحزاب الجديدة التي دبت فيها الخلافات قبل أن تمارس نفوذها, إلا أنه يلاحظ إمعانها في الاتجاه اليميني. الاقتصاد: المعضلة الأساسية التي تواجه الاقتصاد الياباني لم تعد مقصورة علي العقد المفقود, ولا التقهقر الذي دفع به إلي المرتبة الثالثة بعد كل من الولاياتالمتحدة والصين, ولكنها تتمثل بصفة أساسية في الحلقة المفرغة التي يدور فيها نتيجة الركود وانخفاض الأسعار وارتفاع قيمة الين. فالإنتاج الصناعي يتناقص نتيجة عوامل داخلية وأخري خارجية, وتتمثل الأولي في إحجام الشركات والبنوك عن التوسع في عملية الاقتراض والإقراض, نظرا لركود الطلب في الصين وآسيا, إلي جانب أزمة منطقة اليورو, يضاف إلي ذلك ارتفاع قيمة الين في مواجهة الدولار, مما جعل قيمة السلع اليابانية أكثر تكلفة مقارنة بغيرها في الأسواق الخارجية, وفي محاولة من البنك المركزي لإنعاش الاقتصاد قام بشراء أصول وقروض بعشرة تريليونات ين علي أن تصل إلي80 تريليونا لتحفيز الطلب المحلي والإنتاج في ظل سعر فائدة أقل من0.1%. ووسط هذه الأجواء الاقتصادية الخانقة التي تمثلت في زيادة العجز المالي للدولة مع انكماش الصادرات, وذلك للعام الثالث علي التوالي, جاءت أزمة الجزر المتنازع عليها, ليكون الاقتصاد الياباني ضحية الصقور السياسية بعد أن قررت شركات التأمين الكبري وقف التأمين في مواجهة أحداث واضطرابات الصين, مما يؤثر علي الاستثمارات اليابانية في الأخيرة. ويكفي أن نشير إلي أن حجم التأمينات المطلوبة علي الشركات المتضررة بلغ عشرة مليارات ين( إجمالي عدد الشركات14 ألفا), وإذا كانت التجارة المتبادلة تبلغ342.9 مليار دولار, فإن حجم الاستثمارات اليابانية في الصين بلغ6.3 مليار دولار في عام2011 بزيادة خمسين في المائة عن العام السابق عليه, بينما كانت الاستثمارات الأمريكية3 مليارات دولار بانخفاض26% خلال أعوام المقارنة نفسها. وإذا غضضنا النظر عن الرحلات الجوية الملغاة والصحف المصادرة وانخفاض مبيعات السيارات اليابانية في الصين وكذلك الاستثمارات, فهل ستكون الهند التي يتطلع إليها آبي هي المنقذ والملاذ بعيدا عن ميراث الماضي وصراعات الحاضر, وكذلك بالنسبة للفلبين وتايلاند وفيتنام, وأخيرا ميانمار, وإذا كان مشروع آسيا الموسعة, يداعب الأحلام القومية للصقور السياسية في اليابان.. فإن الأمر الأهم بالنسبة للمواطن هو الوظائف والانتعاش بعد أن وصل العجز المالي للدولة إلي9.1% من إجمالي الناتج المحلي, ومرة أخري ستكون الصين وتليها كوريا الجنوبية بدايات خطة الطريق للخروج من الهموم الاقتصادية.