لاشك في أن أحد التحديات التي تواجه الحكومة الحالية هو سرعة مواجهة القضايا التي تؤرق المواطن والتي تتسبب في موجة من الاضرابات التي تهدد أمن واستقرار البلاد. وتأتي قضايا الإسكان علي قمة أولويات الأجندة السياسية فهي تمس دور الحكومة إزاء اشباع أحد الاحتياجات الأساسية للمواطنين. العلاج الحاسم والجاد لجميع مشكلاتنا بعد الثورة يقتضي ضرورة فتح ملفات المشكلات المزمنة التي طال إهمالها وتجاهلها دون مبرر واضح ومحاولة ايجاد حلول عادلة لها, من ذلك ما قامت به لجنة الاسكان بمجلس الشعب المنحل من عقد جلسات استماع حول قانون إيجار المساكن القديمة لبحث ايجاد علاقة عادلة ومتوازنة بين المالك والمستأجر, كما أصدر وزير الإسكان أخيرا قرارا بتشكيل لجنة عليا برئاسته لإعداد مشروع قانون جديد لتحرير العلاقة الايجارية بين المالك والمستأجر في العقارات القديمة, وتم الإعلان عن العزم علي اصداره في مدة لا تتعدي ستة أشهر. السؤال المطروح الآن هو ما الهدف الذي تسعي اليه سياسات الاسكان؟ هل هو السعي لتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية بما يرفع الظلم الواقع علي الملاك مع عدم الاضرار بالمستأجرين؟ أم أن هناك توجها لترجيح الكفة لصالح أحد الطرفين؟ لقد طرحت من قبل كثيرا من المقترحات و الآراء حول إصدار تشريع يتناول هذه العلاقه الشائكة ولم تجد طريقها الي التطبيق, وكان الجدل حول نقطتين الأولي: كيفية تحديد نسبة الزيادة في القيمة الايجارية. والثانية: ضوابط تحديد المدة القانونية للعقد. بالنسبة للنقطة الأولي فلقد تقدمت وزارة الاسكان ولجنة الاسكان في مجلس الشعب بمقترحات عقب صدور القانون رقم 136 لسنة 1981 بوضع زيادة سنوية دورية ثابته لمدة خمس سنوات طبقا لسنة انشاء المبني, اما فيما يتعلق بضوابط المدة القانونية للعقد فلقد اتفقت الآراء علي ان تمتد عقود الايجار بعد وفاة المستأجر الأصلي لأقارب الدرجة الأولي فقط (الزوجة والأبناء والوالدين). تجدر الإشارة إلي أنه عند عقد لجان استماع بمجلس الشعب في هذه الفترة اتجهت معظم الآراء الي أن تكون الزيادة في القيمة الايجارية متدرجة وفقا لعدد من المعايير, منها الوصول للمستوي الذي يواجه ارتفاع الأسعار أو أن تصل قيمتها الي القيمة السوقية, كما أجمعت الآراء علي رفض فكرة طرد المستأجر للحفاظ علي الاستقرار والسلام الاجتماعي, ولم تطرح الرؤية الدينية للموضوع, خاصة فيما يتعلق برفض أبدية العقود, الدراسات والجهود السابقة فيما يتعلق بهذه القضية قد أبرزت بعض المبادئ الأساسية لهذا التشريع المهم منها. ان موضوع اعادة النظر في العلاقة بين المالك والمستأجر يجب أن تتم بصورة متدرجة حتي يتم إعادة الاتزان إلي سوق الاسكان وعند تحديد الزيادة في القيمة الايجارية لابد من مراعاة تاريخ انشاء الوحدات واختلاف الأحياء المقامة فيها( احياء راقية أحياء شعبية). ومن التجارب الناجحة في مجال تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر والتي يمكن تطبيقها في مصر تشجيع المستأجر علي شراء الوحدة إذا كان قادرا علي ذلك,ومن حق المالك استرداد الشقة المغلقة إذا ثبت أن المستأجر يمتلك عقارا آخر في نفس المدينة. ولتحقيق علاقة عادلة بين المالك والمستأجر لاتكون فيها مصلحة أحدهما علي حساب الآخر لابد من مراعاة مستوي الدخول المتدنية في مصر بحيث لا تكون زيادة القيمة الايجاريه بأكثر من ربع الدخل الشهري للمواطن المصري, كما لابد من ضرورة الاسراع في رفع القيمة الايجارية لتحقيق العدل الاجتماعي لملاك العقار, فمن غير المقبول استمرار القيمة شديدة الانخفاض مع وجود هذا الارتفاع غير المسبوق في معدلات التضخم ومستوي الأسعار. لقد آن الأوان لفتح الكثير من الملفات ووضع القوانين والضوابط لحل المشكلات التي تتعلق بحياة المواطن اليومية, ولاشك في أن المسكن يأتي علي قمة هذه الأولويات, ولابد من اعادة النظر في قوانين الاسكان الأخري, منها قانون التعاون الاسكاني وطرح رؤي جديدة لقضايا اسكانية مهمة مثل إدارة المدن الجديدة ودعم إسكان محدودي الدخل, ولن يكون هناك سلام اجتماعي دون طرح حلول جاده تشعر المواطن بآدميته وبأنه يعيش في عصر جديد يحقق له ما افتقده في سنوات العهد البائد. المزيد من مقالات د.نجوى ابراهيم محمود