في أوقات الأزمات, فان أكثر فئات الشعب التي تقدم, او يطلب منها ان تقدم التضحيات, هم الفئات الفقيرة; كان ذلك في الماضي, وهو مازال كذلك في الحاضر ايضا. عندما قدم المسئولون في مصر مبرراتهم لطلب القرض من صندوق النقد الدولي ومن الصين, كان علي مبررهم الرئيسي هو ان هناك مشاكل ملحة آنية علينا ان نحلها بسرعة, وأننا إذا اردنا ان نحصل علي القرض علينا اولا ان نخفض انفاق الحكومة; والتي لخصها المسئولون في بندين اثنين: الدعم والمرتبات. وكأن المصري متوسط الحال والفقير, الذي عاني ويعاني كل يوم من شظف العيش, والذي لن يستطيع ان يستمر في الحياة بدون الدعم علي رغيف خبزه ولقمة اطفاله أو بدون مرتب, ان كان علينا ان نطلق عليه صفة معينة فلن يكون الا صفة الهزيل, يصبح عليه ان يعاني هو والي الأبد, من اجل حل مشكلات الكبار التي أوجدها الكبار. إن المجالات التي تهدر الاموال لاتزال تعمل وبكثافة; يكفي ان يلقي اي مسئول نظرة علي طول شاطيء نهر النيل, شمالا وجنوبا, ليري حجم الطاقة التي يهدرها اصحاب السفن والمطاعم والنوادي النيلية التي تظل أضواؤها تتلألأ طوال الليل, وكذلك الاضواء في المباني الحكومية والشركات والبنوك التي تشع بالأنوار; ويكفي ان يزور أي مسئول أيا من القري الساحلية التي تقع علي الساحل الشمالي ليري الأنوار المضيئة لمجرد اضفاء لمسة جمالية علي السواحل لاصحاب الشاليهات وزوارهم; ويكفي ان يقرر اي مسئول حكومي ان يتوجه الي ملاعب الجولف وحمامات السباحة سواء علي السواحل الشمالية او في القاهرة وحتي اسوان, ليري بنفسه كمية المياه المهدرة بلا نفع, بينما اراضينا عطشي وكل ما يطلبه سكان العشوائيات هو كوب مياه نظيف. أما بالنسبة للتساؤل الثاني: ماذا بعد حل مشاكلنا الآنية والملحة؟ فإن الاجابة نجدها في كتاب'' اعترافات قاتل اقتصادي مأجور'', للكاتب جون بيركنز, يشرح فيه كيف استطاعت امريكا السيطرة علي العالم. وهي اعترافات لشخص كان داخل النظام الذي يعمل من اجل السيطرة علي كل دولة من دول العالم الثالث التي تملك ثروات تحتاجها امريكا وشركاتها العملاقة. فكان بيركنز نفسه احد المستشارين في شركة دولية تعمل علي اقناع الدول الفقيرة علي قبول قروض تنمية ضخمة, وكان دوره يكمن في ان يتأكد من ان المشاريع التي ستتم في تلك الدول بأموال البنوك الدولية, ستنفذها شركات امريكية حتي لا تظل الاموال ولا الارباح داخل الدولة المعنية. وفي اللحظة التي تغرق فيها تلك الدولة في ديونها, تبدأ الحكومة الامريكية من خلال شركاتها العملاقة, ومن خلال' القاتل المأجور الاقتصادي'' تطلب من الحكومة والرئاسة فيها سداد الديون; وان لم يكن هناك المال الكافي لسداده, فهناك طرق أخري. إننا كدولة نامية, قد لا نستطيع ان نواجه تلك التهديدات الخطيرة, ولكننا نستطيع ان نحتمي بشعوبنا وان نرفض علي الاقل ان نعيش علي قروض لن تنتشل البلاد من مشاكلها, بل تغرقنا في ديون ليس لها قاع; ونستطيع ان نبدأ في الاعتماد علي انفسنا حقيقة ونتصرف كدولة نامية وليس كدولة غنية; إن كنا نريد حقا ان ننهض بأنفسنا يجب ان نتجه الي الداخل وليس إلي الخارج, ونأخذ قراراتنا بحسم وحزم بما فيه مصلحة فئات الشعب المتوسطة والفقيرة لانها هي الاغلبية وهي التي إما ان تجذبنا الي أسفل, أو تنهض بنا إلي أعلي. المزيد من مقالات ليلى حافظ