خلال الفترة الأخيرة كثرت الوقفات الاحتجاجية لمجموعة من المصريين لم يكن الجمهور العادي قد سمع عنهم أو عرفهم, وهم العاملون والعاملات في مراكز معلومات القري المصرية. وربما لا يعرف الكثيرون منا قصة هؤلاء العاملين والعاملات في قرانا المصرية كذلك لا يعرفون القصة وراء وقفاتهم الاحتجاجية أمام مجلس الشعب, تماما كما أن الكثيرين منا أيضا لا يعرف الكثير عن شريحة أخري من العاملات في القري معروفات بلقب الرائدات الريفيات. كل هؤلاء سواء العاملون في مراكز المعلومات أو الرائدات الريفيات ولدوا في القري المصرية وتعلموا ثم عملوا فيها ولم يغادروها. فهم في الأساس أبناء هذه القري, يعرفون ناسها وعلاقاتها وثقافتها. لذلك فهم بعيدين عن المراكز الحضرية بصخبها وبعلاقاتها المعقدة وبمفاتيح أجهزتها الإدارية. والمجموعتان لهما مشاكل خاصة وهامة. وتعمل المجموعتان لدي الدولة المصرية. تقومان بالخدمات. وهي كثيرة التي يطلبها جهاز الدولة ويتقاضون ما يسمي. في هذا الجهاز بالمكافآت وليس بالمرتبات. ويعرف الضالعون بسراديب لوائح جهاز الدولة الفارق بين أن يتقاضي الإنسان راتبا وبين أن يتقاضي مكافأة من هذا الجهاز. تعرفت علي المجموعة الأولي وهي مجموعة الرائدات الريفيات قبل أن أتعرف علي المجموعة الثانية التي هي العاملون والعاملات في مراكز معلومات القري. ففكرة الرائدة الريفية كانت قد طرحت في العقد الستيني من القرن الماضي عندما كانت الأستاذة الدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة للشئون الاجتماعية. في ذلك الزمان نفذت فكرة وجود الرائدة الريفية في كل قرية كعنصر يحرك ويوعي المرأة الريفية صحيا وتعليميا واجتماعيا, حيث هي في القرية. لذا تم اختيار الرائدات من ذات القري التي ولدن فيها حتي يسهل عليهن التحرك بين أناس هم في الواقع الأهل والجيران والأصدقاء. حينذاك كانت القري المصرية أصغر حجما. أما من حيث الكثافة السكانية فالأكيد أنها كانت أقل كثيرا. فنحن الآن نجد قري يتجاوز عددها ال40 ألف نسمة وهو عدد كان قديما يمثل كثافة المركز وليس القرية. واستمر الأخذ بنظام الرائدات الريفيات وتمت الاستعانة بهن في كل ما تحتاجه الدولة من نساء المجتمع الريفي. وهي الاحتياجات التي كان آخرها مواجهة فيروس إنفلونزا الطيور. ويمكن تصور حجم العمل الملقي علي الرائدات الريفيات إذا قارنا عددهن بعدد القري وبكثافة سكانها. فريف مصر يضم6426 قرية وأكثر من23 ألف تابع من النجوع والعزب. وسط هذا العدد من التجمعات السكانية تعمل حوالي14 ألف رائدة ريفية محملة بواجبات صحية واجتماعية وبيئية. وهن يعملن بالفعل وبأداء جاد ولكن مقابل مكافآت ثابتة شهرية لا تتحرك. والغريب أن الكل يعترف بهن, تعترف الحكومة بمشاكلهن ويعترف المجتمع المدني بيهن. وتنظمهن الجهتان في دورات تدريبية عالية الجودة. ولحظة مناقشة مكافآتهن يختفي الجميع. ثم تعرفت علي مجموع العاملين والعاملات في مراكز معلومات القري. وفي الحقيقة كان أول من عرفني عليهم وعلي مشاكلهن هو رئيسهن المباشر في وزارة التنمية الريفية الدكتور إبراهيم ريحان رئيس جهاز بناء وتنمية القرية في الوزارة. وفي المرة الثانية تعرفت علي تفاصيل مشاكلهن الوظيفية من المدراء العموميين في المحافظات في اجتماع حضره المحافظ حسن حميدة وكنت معه. يومها شرح المديرون لنا واقع هؤلاء العاملين وظروف عملهم ومشاكل مكافآتهم. وكنت قد عرفت من الدكتور إبراهيم ريحان أن فكرة مراكز المعلومات في القري بدأت عام2001 بهدف امتصاص جانب من بطالة المتعلمين في القرية فتم إنشاء وحدة في كل منها تقوم ببناء قاعدة بيانات أساسية فيها. يومها وظفت الوزارة31 ألف خريج وخريجة من حاملي الشهادات المتوسطة والجامعية واشترطت أن يكونوا من أبناء كل قرية وليسوا من خارجها. دربتهم الوزارة وخصصت لهم مكافآتهم تراوحت بين100 و120 جنيها شهريا. انتظموا في العمل واستمروا ينتظمون فيه وينجزونه في مناخ ثقافي محلي قد لا يستوعب في أغلبه فكرة إجراء الإحصاء أو أهمية بناء قاعدة للبيانات, لذا لم يكن عملهم سهلا ومع ذلك وفي نفس الوقت استمرت مكافآتهم كما هي ولم تتحرك. ولأن الكثيرين منا لا يعرف هذه الخلفية فقد تساءل الكثيرون عن سبب إطلاقهم لعبارة' إحنا زملاؤك يا دكتور نظيف' ضمن العبارات التي أطلقوها في وقفتهم الاحتجاجية. فرئيس الوزراء كان يعمل في مركز المعلومات واتخاذ القرار قبل توليه مناصبه الوزارية. لذلك عبروا عن زمالتهم له في احتجاجاتهم. ولكن لماذا خرجوا فجأة في هذه الوقفة الاحتجاجية وبهذه الصورة غير المنظمة؟ لأنهم مع مجموعة الرائدات الريفيات يعملون لدي جهاز الدولة ولكن بلا أي ارتباط قانوني ينظم هذا العمل. فهم يعملون بلا عقود عمل مؤقتة أو دائمة وبالتالي بلا أي التزام من هذا الجهاز تجاههم. لا يحصلون علي مكافآتهم بانتظام ولا يتمتعون بأي إجازات أو علاوات, أو حتي معاشات في حالة العجز أو الوفاة. فعندما يقع أحدهم في أزمة صحية أو عائلية يضطرون لجمع التبرعات فيما بينهم من دخولهم المتواضعة ليساعدوه للخروج منها. وبعد سنوات من انخراطهم في العمل كبروا وتزوجوا وكونوا أسرا تحتاج إلي متطلبات حياتية يومية لا تستطيع هذه المكافآت سدها. كما أنه ليس لهم حق الانتظام في النقابات التي تملك حق الدفاع عن حقوقهم. لذلك يتحركون بهذا الأسلوب العفوي العام الذي يلفت النظر ويطرح التساؤلات العديدة. فالمعروف أن انتظام العاملين في أي قطاع اقتصادي أو خدمي في التنظيمات النقابية, وخاصة إذا كانت نقابات فاعلة, فإن هذه المنظمات هي التي تتحرك حاملة مطالبهم وتدافع عنها وعن استحقاقاتهم لدي الإدارة التي يعملون لديها.ولكن في الحالتين وبالنسبة للمجموعتين, مجموعة الرائدات الريفيات والمجموعة الأخري الخاصة بالعاملين والعاملات في مراكز معلومات القري فإن جهاز الدولة وظفهم وجمد مكافآتهم في وقت لا يعرفون أن لهم الحق في الانتظام في النقابات الفرعية في المحافظات. فلا هم تحركوا إلي النقابات وكذلك لم تتحرك النقابات إليهم. والغريب أن بعد تحركهم الأخير تحرك الاتحاد العام للنقابات الذي يعطيه القانون حق الدفاع عن العمال بغض النظر عن عضويتهم في وحداته واتضح للاتحاد أن ثم علاقة تعاقدية تربطهم بجهاز الدولة, وأن حقوقهم لدي هذا الجهاز كثيرة, أبسطها هي العلاوات الدورية. إذا كان لهم حق المطالبة بهذه الحقوق. ولكن الدولة تركت مشاكلهم تتراكم. فتظاهروا. فلماذا نغضب؟ المزيد من مقالات أمينة شفيق