استنت جريدة الأهرام سنة حسنة عندما خصصت صفحة أسبوعية لإبداعات الشباب والشابات, وقد تابعت الصفحة منذ ظهورها,وأخذت أدون ملاحظاتي علي ما بها من نصوص, لكنني توقفت بعض الشيء أمام صفحة السبت2012/8/25, لأنها جمعت بين الشعر والسرد من الجنسين, وقدمت إبداعا جديرا بالقراءة والتحليل, وسوف أشرك القراء في بعض ملاحظاتي التي تسمح بها المساحة الطباعية. ضمت الصفحة قصيدتين, إحداهما من شعر العامية, والأخري من الفصيح, كما ضمت ثلاثة نصوص قصصية, والقصيدة العامية حملت عنوانا لافتا:( مغرم وطن) لسعد شحاته, وشعرية هذه القصيدة يمكن أن نقول عنها إنها شعرية خشنة في رؤيتها للواقع, إذ حولت هذا الواقع إلي لوحة يمتزج فيها النور بالظلام, وإن كانت الغلبة للظلام, وهي لوحة إسقاطية, تحول فيها الوطن المعشوق إلي أنثي تزدحم فيها السلبيات والإيجابيات,, وأهم خط فيها من وجهة نظري الخط الثقافي الذي استحضر المراحل العمرية للمتكلم, مع مفردات الثقافة المصرية من( التوت, والخلاخيل, وهزة الغربال) فالشعرية هنا شعرية جمالية ثقافية من الطراز الأول. أما قصيدة الفصحي, فهي بعنوان:( كيف تصنع كتابا يحقق أعلي المبيعات) لعصام أبو زيد, وهذه القصيدة يمكن أن ينطبق عليها مقول النفري:( كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة), إذ وقف الشاعر في القصيدة علي( الأعراف) بين الشعر والسرد, ليعيش تجربة القراءة في نص روائي, ثم يتحول إلي واحد من شخوصه, ومن ثم تمكن من محاورة الآخرين, ومثل سابقه, يبث في القصيدة جانبا من سيرته, وبما أن الشعرية الحقة تكون في كيفية القول لا في القول ذاته, فإن هذا يمكن أن يوقفنا وقفة موجزة عند بعض التقنيات التي وظفها الشاعر, وفي مقدمتها( صيغة الفعل) التي أعطت الذات حضورا مباشرا, في مثل:( قرأت كشفت), ثم تحولت الأحادية إلي ثنائية:( أردنا - نلتقي - نضحك), بعد أن لامس منطقة السرد, فتحولت المحبوبة إلي طبيعة مائية حولها الطحالب, وتحركت المباني, ثم صعد الواقع الحياتي إلي أفق الجمال الشعري المصنع ليكتسب قراء, كما يكتسبها الكتاب الأكثر مبيعا. وتأتي الأعمال السردية الثلاثة مبشرة بميلاد كتابة جديدة, وعندما أقول جديدة, لا أعني أنها قطعت علاقتها بالنص السردي السابق, بل هي امتداد له, لكنها غيره, والنص الأول:( أطول مما ينبغي) لحنان البدري, والعنوان كان مفتاح النص, لأنه نص موغل في الحياة والموت علي حد سواء, وجدة النص في أن يجعل الموت أمرا مرغوبا, لكن ذلك مشروط بطول الحياة وعمقها معا, وبراعة السرد في بساطته البالغة, ونعومته الشديدة في سرد الوقائع, وجعل غير المألوف مألوفا, حتي إنه حول عالم الأسرة إلي ما يشبه أسطورة حياتية مشبعة بالموت المرغوب. أما القصة الثانية, فهي:( الحياة حلوة) لرحاب إبراهيم, وأهمية القصة في الحركية السردية المستقيمة التي تمزج عالم الغربة بالواقع المعيش, وتجمع بين الشخوص المختلفة علي التوافق لا التنافر, سواء أكان الاختلاف في الجنسية, أم في المذهب, أم في النوع, كما تمثلت دقة السرد في زرع المفارقة في المسار الحكائي: مفارقة( الغربة والأمان)( مفارقة الغربة والوطن), مع حرص النص علي إضفاء بعض الضبابية علي الأبعاد الزمانية والمكانية والشخصية, بحيث يشعر كل قارئ و أنه واحد من شخوص القصة, ومن حقه أن يتدخل في تفسيرها وتأويلها. والقصة الثالثة:( جهاد أو نضال) لمحمد صلاح العزب, وأنا ازعم أني قرأت له كل ما كتب, ذلك أنني عندما قرأت نصه الأول منذ عدة سنوات, أحسست أني واحد من شخوصه في النص, ثم إني كلما قرأت له أدركت أنه طاقة قادرة علي توليد التقنيات السردية المجددة, وهو ما لاحظته في هذه القصة, حيث استحضر السرد المروي عنها( جهاد أو نضال), و أعطاها الحق في التدخل السردي بالإضافة أو الحذف والتعديل, ثم أوغل السرد في ملاحقة التحول الثقافي العربي في الطعام والشراب والاتصال:( الكنتاكي البيبسي الأنترنت المحمول), ثم تأتي تقنية اللغة لتعطي لكل شخصية مستوي لغويا مغايرا وفللراوي اللغة العربية الفصيحة المتداولة, وللشخصية المروي عنها اللغة العامية المستهلكة بما فيها من مفردات أعجمية, وهو ما شكل مفارقة درامية في النص, لأن شخصية( جهاد) تتعالي بلغتها إلي بعض ما تتداوله البيئات الانفتاحية, بينما هي تتحرك بالمواصلات الشعبية, ومع تعمد تسريع السرد حينا, وإبطائه حينا, وتوقيفه في بعض الأحيان, وكلها أمور تحتاج إلي وقفة مطولة لا تحتملها هذه القراءة الموجزة.