من المتعين أن نبدأ تناولنا لموضوع الجاليات المصرية في آسيا هنا علي خلفية الاقتناع بأنه بالرغم من أن كل المصريين المقيمين بالخارج متشابهون في الكثير من الأوجه بسبب مواطنتهم المصرية. هناك خصوصيات تميز المصريين المقيمين في كل قارة, بل وإقليم, وربما أيضا كل دولة, بحسب سياقها التاريخي وظروفها الاقتصادية والاجتماعية وأوضاعها الثقافية, ووضعية المصريين المقيمين في هذه الدولة أو الإقليم أو القارة وتكوينهم الاقتصادي الاجتماعي وخلفيتهم التعليمية, وأحيانا الجغرافية, وموقعهم ودورهم في مجتمعاتهم الجديدة, بما في ذلك أحيانا دورهم السياسي. كما أنني في واقع الأمر أتحدث من واقع التجربة العملية للحياة والعمل في اليابان علي مدي أربع سنوات, وبدون القفز للتعميم غير الموضوعي من الحالة اليابانية علي آسيا بشكل عام, ولكنها علي الأقل حالة في آسيا قد تتشابه مع بعض جوانب حالات أخري في تلك القارة العملاقة. فمن الحالة اليابانية يمكننا الخروج بعدد من الدروس المهمة من واقع التجربة العملية دونما تقليل من أهمية وضوح الرؤية علي المستوي النظري وكذلك علي صعيد المنهج المتبع بشأن مطالب المصريين في الخارج, خاصة في آسيا, وسبل التجاوب معها, والأهم من ذلك كيفية توظيف العلاقة بينهم وبين الوطن بما يحقق استفادة متبادلة وبما يعمق الانتماء ويعزز العلاقة ويجعلها تقف علي أرض صلبة لا تهتز مع أول اختبار لها. ولكن من المهم بداية تأكيد أنه مما يسهم بشكل إيجابي في نجاح تحقيق تلك النتائج المرجوة هو انخراط هؤلاء المصريين في كيانات تنظيمية تعبر عنهم وتتصف بالطابع الديمقراطي والتمثيلي للجاليات المصرية, كما تتمتع بالاستقلالية التي تكسبها المصداقية, وبالطبع كلما قل عدد هذه التنظيمات أو حتي انخرطت في إطار واحد كلما كان ذلك أفضل, أو علي الأقل يجب ألا تتصف العلاقات بين هذه التنظيمات, حال تعددها في البلد الواحد, بالعداء أو التربص فيما بينها. وقد اتسمت الجاليات المصرية في آسيا بشكل عام, بما في ذلك اليابان مع الإقرار مجددا بخصوصية حالة كل دولة, بأن أعضاؤها في أغلبهم من الشخصيات التي نالت حظا من التعليم, واكتسبت أوضاعا اجتماعية تتراوح بين المتوسطة والعليا في المجتمع الياباني, ومهنيا تباينت بين رجال أعمال ومهندسين وأطباء وأصحاب شركات سياحة أو عاملين في هذا المجال وأساتذة جامعات وباحثين واستشاريين وأصحاب مطاعم وعاملين في بعثات أو مؤسسات دول عربية وإسلامية أخري في اليابان ومهن أخري, بالإضافة إلي عدد من طلاب الدراسات العليا تزايد عددهم بشكل واضح بحيث تضاعف ثلاث مرات تقريبا ما بين عام 2007 وعام 2011, وعدد غير قليل منهم يصطحب أسرته, كما أن عددا منهم يختار البقاء بعد ذلك في اليابان. كذلك توجد مختلف المجموعات العمرية بين هؤلاء المصريين المقيمين باليابان, وهناك نسبة مرتفعة منهم, مثلهم في ذلك مثل الكثير من الجاليات المصرية عبر العالم, متزوجون من مواطني دولة الإقامة, وهي اليابان في هذه الحالة, وذلك ربما باستثناء الطلاب والدارسين. ويجب أن نذكر هنا أن أحد أهم مطالب هذه الجالية كانت دوما الحصول علي حق التصويت والمشاركة في الاستفتاءات والانتخابات فيما يتعلق بمصر, بل وأحيانا المطالبة بحق الترشح في الانتخابات النيابية في مصر. وقد تحقق مطلب المشاركة في التصويت بدرجة كبيرة عبر جهود كبيرة لوزارة الخارجية المصرية وأجهزتها المختلفة في الانتخابات البرلمانية التي تمت عام 2011 والانتخابات الرئاسية التي دارت عام 2012, مع الإقرار بأنه ما زال هناك مجال واسع لتحسبن الأداء في الانتخابات القادمة والاستفادة من هاتين التجربتين, والنظر في تمثيل المصريين بالخارج في المجالس النيابية. ولكن يبقي مطلب آخر ذو طابع تمثيلي للجالية المصرية في اليابان, وافترض انه يصدق علي الجاليات المصرية في آسيا, ألا وهو ضمان التمثيل العادل لها في الكيان العام للمصريين في الخارج أيا كان المسمي الذي سيطلق علي هذا الكيان, حيث أنه في السابق كان يتم تجاهل تمثيل المصريين في آسيا في الاتحاد العام للمصريين بالخارج علي خلفية محدودية عددهم, إلا أن العبرة ليست دائما بالأعداد, بل بالنوعية والتأثير وما تملك هذه الجالية أن تقدمه للوطن. وعلي هذه الأرضية, نجد أن هذه الجالية يمكن اجتذابها للارتباط بالوطن بشكل عضوي عبر عرض حزمة مشاريع عقارية واستثمارية جادة ومحددة يمكن أن يشاركوا فيها في مصر وتحقق استفادة للوطن ولهم أيضا, وكذلك عبر التجاوب مع مشاريع جدية تطرحها عقول مصرية جبارة مقيمة في اليابان وتحتاج لأن تلقي الاهتمام الواجب, بالإضافة إلي الاستفادة من العرض الطوعي من جانب عدد من المصريين لتقديم خبراتهم لبلدانهم خاصة في العديد من المجالات التخطيطية والهندسية والتكنولوجية المتقدمة توظيفا لما تراكم لديهم من معارف عبر إقامتهم باليابان المتقدمة تكنولوجيا وعلميا واقتصاديا, وهو الأمر الذي يحتاج وطنيا إلي إقامة آلية لضمان استيعاب هذه العروض وتوجيهها إلي الحالات التي يحتاجها الوطن ويمكن لهؤلاء المواطنين المقيمين بالخارج الإسهام فيها, وأستحضر هنا إمكانية الاستفادة من برامج تابعة للأمم المتحدة. كما يدخل في هذا السياق الاستفادة من خبرات الدارسين المصريين الذين يحصلون علي شهاداتهم العليا من اليابان في الجامعات ومراكز البحوث المصرية. كما أن الجيل الثاني من المصريين في اليابان يستحق الاهتمام, خاصة تنظيم زيارات دورية لهم لوطنهم الأم وإطلاعهم علي ما يحرزه الوطن من إنجازات وأيضا ما يواجهه من تحديات وما يحتاجه من قدرات وإمكانات, وذلك من فترة إلي أخري. وقد عاني هذا الجيل الثاني أيضا في السابق من قدر من التجاهل أو الإهمال بحجة محدودية عدده مقارنة بالأجيال الثانية من المصريين في دول أوروبية وأمريكية وبسبب بعد المسافة وارتفاع التكلفة, ولكن مرة أخري يجب أن يكون المعيار الكيفي مقدارا تقديرا لا يقل عن المعيار الكمي. كان ما تقدم مجرد أفكار سريعة وموجزة تستلهم الواقع وتبني علي تجربة ومعايشة ولا تحلق بعيدا في سماء الخيال بل تتحدث عما هو ممكن وقابل للتنفيذ لضمان الاستفادة لمصر ولأبنائها في آسيا, مع التركيز علي الحالة اليابانية.