يأتي اللقاء بين الرئيس أوباما ومرسي في الشهر الحالي, في وقت انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة, وفي ظروف تدرك فيها الإدارة الأمريكية أن الفترة المقبلة تفرض عليها صياغة مختلفة لعلاقات أمريكا مع مصر, وذلك بعد سنوات كان لدي أمريكا فيها اعتقاد راسخ باستمرار المبادئ والأفكار نفسها التي تدير بها سياستها الخارجية مع مصر دون حاجة للتغيير. وهو اعتقاد مصدره أن قرار السياسة الخارجية في مصر كان في يد الحاكم الفرد الذي لم تكن لديه أي استراتيجية للسياسة الخارجية وهو ما يجعله رهينة استراتيجية خارجية تتعامل معنا وفق أهدافها المحددة وأدواتها التنفيذية. ومن بعد ثورة25 يناير بدأ التحدي خاصة في مراكز الفكر السياسي التي تعرف اصطلاحا بمصانع السياسة الخارجية في أمريكا بما لها من دور فاعل لأن الدولة تأخذ في أحيان كثيرة مقترحاتها, وهذا جزء معترف به في صناعة السياسة الخارجية في الولاياتالمتحدة. وضمن آخر مبادرات هذه المراكز التقرير الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بعنوان مصر في مرحلة انتقالية رؤي وخيارات للسياسة الأمريكية. الذي شارك في وضعه15 من كبار الخبراء في الشئون المصرية. وقد اتفقوا علي أنه لكي تكون السياسة الأمريكية فعالة فانها تحتاج تحفيزا لمزيد من التغيير والنظر بصورة أوسع للتطورات الجارية في مصر. كان هناك أيضا المشروع المشترك لمعهد بروكنج ومجلس العلاقات الخارجية الذي استغرق إعداده18 شهرا واحتوي ابحاثا ومناقشات مع مسئولي الحكومات في أمريكا ودول في الشرق الأوسط من خلال زيارات للمنطقة ينتهي بوضع توصيات لصياغة إطار جديد للسياسة الأمريكية في المنطقة آخذين في الاعتبار أن أمريكا تواجه منظومة من التحديات الخطيرة في المنطقة لم يسبق لها أن واجهتها خلال الخمسين سنة الماضية. يأتي ذلك عقب العديد من المؤتمرات التي شارك فيها مؤسسات سياسية ومعاهد أكاديمية ومفكرون سياسيون لهم ثقلهم, منها جامعة هارفارد وشهدت هذه المؤتمرات توافقا في الآراء علي أن المنطقة اختلفت تماما بعد ثورة25 يناير, ودعت أوباما لاتباع نهج مختلف في السياسة الخارجية بعد ان انتقلت صناعة القرار السياسي من يد حاكم مستبد إلي يد الشعوب التي لم تعد ترضي باستمرار ممارسات الحكومات الأمريكية التي اتسمت بالهيمنة وازدواجية المعايير. وفي داخل إدارة أوباما يوجد اتفاق علي أن مصر دولة محورية وهي مركز التوازن والاستقرار للشرق الأوسط كله, علي الرغم من وجود آراء بين مساعدي أوباما ومستشاريه تري أن الثورة في مصر وتغيير النظام ستكون لها نتائج سلبية علي المصالح الاستراتيجية الأمريكية. ويأتي لقاء الرئيسين, في جو معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية التي تحتل أولوية اهتمامات أوباما وحساباته القائمة علي انه يتحرك فوق خريطة داخلية تنشط فيها مجموعة من القوي الضاغطة علي توجهاته للسياسة الخارجية تتصدرها قوي الضغط وجماعات المصالح. ويتفق عدد من أبرز الخبراء في مراكز الفكر السياسي علي أن أوباما ليس لديه الآن خطة مكتملة للتعامل مع الوضع في مصر بعد الثورة, خاصة أنهم يرون الأوضاع الداخلية لاتزال في حالة سيولة انتظارا لبلورة شكل نهائي للتوجه الاستراتيجي للسياسة الخارجية لمصر. وعلي ما يبدو فإن اللقاء سيكون بمثابة افتتاحية لما بعده ولإعادة صياغة شكل العلاقة من موقع الندية وبناء علي استقلالية القرار المصري. لكن تحقيق ذلك, يتطلب بالضرورة سرعة صياغة استراتيجية متكاملة لسياسة مصر الخارجية محددة الهدف ومتضمنة مختلف توجهاتها في العالم. وتلك خطوة تقضي بعدم التأخر في تشكيل مجلس أمن قومي مساند للرئيس, ويتم اختيار اعضائه بمعايير العلم والمعرفة والخبرة والتخصص والتنوع في الفكر السياسي علي غرار المجالس التي صارت جزءا حيويا من أنظمة الحكم في الدول الصاعدة وفيما يخص العلاقة مع أمريكا فإن السياسة الخارجية للرئيس تصنع وتقرر داخل مجلس الأمن القومي الذي يوصف عندهم باللجنة التي تدير شئون العالم. المزيد من مقالات عاطف الغمري