الظاهر أن العلاقة المصرية الأمريكية, ستبقي لفترة, علي مسافة, من بلوغ مرحلة الاستقرار علي شكل نهائي لعلاقة تبادلية طبيعية, لمصلحة البلدين. سيحدث هذا حين تخرج أمريكا, من صدمة ثورة 25 يناير, التي فوجئت بها, باعتراف كبار مسئوليها, وأبرز المختصين فيها من خبراء ومؤرخين.. وأيضا الي أن تنتهي مصر من اعادة صياغة استراتيجية مكتملة للسياسة الخارجية, سواء مع الولاياتالمتحدة, أو مع العالم بصفة عامة بعد ثلاثين عاما, من إدارة علاقاتها, بلا أي رؤية او استراتيجية للسياسة الخارجية. وتذكر وثائق أمريكية منشورة عن الأيام الأولي للثورة, أن أوباما لم يطلب من مبارك التنحي, بل كان يشجع انتقالا للسلطة, يتولاه عمر سليمان, وكان أول رد فعل من جوبايدن نائب الرئيس, قوله: إن مبارك ليس دكتاتورا, وأنه صديق لاسرائيل. وصاحب ذلك تعبير تردد في واشنطن يقول مبارك رجلنا في القاهرة. ولما كان هناك دائما ربط من المسئولين الأمريكيين, ورجال الكونجرس, بين التخوف من تأثيرات الثورة, علي المصالح الأمريكية, وعلي علاقات مصر باسرائيل في نفس الوقت, فقد تزامنت مع ذلك, تصريحات لمسئولين اسرائيليين, تقول إن قيام ديمقراطية في مصر, تنتج عن ثورتها, يمثل تهديدا لوجود الدولة اليهودية, وهو ما عبرت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت بقولها لقد استولي علي اسرائيل, خوف من الديمقراطية في مصر. وصاحب ذلك تصريحات تتحدث عما وصفوه بادخال قوي بناءة (من وجهة نظرهم), في المجتمع المصري, وحسب وصف مالكولم هو ينلين نائب الرئيس التنفيذي لرؤساء مؤتمر المنظمات اليهودية الرئيسية في الولاياتالمتحدة, قوله إن هذه القوي البناءة, يجب ألا يكون بينها الدكتور محمد البرادعي, واعتمد الرفض للبرادعي, علي القول, بأنه يتمتع بعداوة اللوبي الاسرائيلي, بسبب تنديده بحصار غزه, ووصفه له, بأنه وصمة عار في جبين, كل عربي, وكل مصري, وكل انسان, وبسبب معارضته للمواجهة العسكرية مع ايران. واتصالا بهذا, كان ما كتبه آدم شاتز الكاتب الأمريكي, الذي تنشر مقالاته كثير من الصحف الأمريكية, حين قال: إن البرادعي ليس بالرجل الذي تستطيع واشنطن التعامل معه. المشكلة علي الجانب الأمريكي, فيما يتعلق بالعلاقة مع مصر, ان الولاياتالمتحدة, كانت تدير علاقاتها مع مصر, والعالم العربي أجمع, وفق قواعد وضعت للمدي البعيد, وكأنها ثوابت راسخة, ليست قابلة للتغيير. ومنذ منتصف السبعينيات, كان هناك اتفاق عام, لدي تيار من المحللين وخبراء الشرق الأوسط, في واشنطن, مقتنع تماما بأن الأوضاع الداخلية, في العالم العربي, بما في ذلك مصر, لن تتغير, وأن هذه الشعوب مستسلمة بطبعها للحكم المستبد. وحين نجحت الثورة في خلع مبارك, وقع في الحال انقسام داخل ادارة أوباما وهو ما كشفت عنه, مناقشات معلنة في ندوات ومؤتمرات سياسية واكاديمية حيث رفض كثيرون من مساعدي أوباما تأييد الثورة, ثم جاء موقف أوباما مخالفا لهم, ولنصائحهم بعدم التخلي عن مبارك. وبالتوازي مع الموقف الرسمي, داخل ادارة أوباما, كانت هناك مؤتمرات وورش عمل, يشارك فيها أبرز خبراء السياسة الخارجية, يدرسون بطريقة علمية مجردة, ما يجري في مصر, واتفقوا كلهم تقريبا, علي أن ما حدث في مصر, هو ثورة حقيقية, نقلت صناعة الثوار من يد حكومات استبدادية, الي يد الشعوب. وحذروا من أنه اذا لم تتجاوب امريكا مع هذا التحول, فإن مصالحها سيلحقها الضرر, وهو تيار كان له تأثيره علي تفكير أوباما. ومن البداية حرصت برامج الحوارات التليفزيونية علي استطلاع آراء صناع السياسة الخارجية, وكان منهم هنري كيسنجر, الذي قال إن امريكا في مأزق بين تأييد ثورة هدفها إقامة حكم ديمقراطي, ومخاوفها من تأثير الثورة علي المصالح الأمريكية في المنطقة وأنها في حاجة لرؤية مختلفة, ومبتكرة لسياستها الخارجية, تخرجها من هذا المأزق. والمعروف أن النظام السياسي الأمريكي, له طبيعة خاصة, حيث تسيطر الأوضاع الداخلية علي توجهات السياسة الخارجية, بسبب ما سمح به النظام السياسي, لقوي الضغط, وجماعات المصالح, من ممارسة ضغوط لمصلحة الأطراف التي تمثلها. وتبقي المشكلة التي لاتزال تعيق تحرر السياسة الأمريكية, من إرث ماض طويل, أنها مازالت تعتمد علي فكر وأدوات, مرحلة ما قبل الثورة, في ادارة علاقاتها وسياستها الخارجية مع مصر, بينما يتفق تيار العلماء وخبراء السياسة الخارجية, خارج الدائرة الرسمية, علي أن هذا الفكر وهذه الأدوات, لم تعد تصلح لعصر, تنتقل فيه مقاليد وادارة السياسات, من يد حكومات استبدادية, الي يد الشعوب. ولأن العلاقة تبادلية, تتوازن من خلال أداء الجانبين, وليس جانبا وحده دون الآخر, فإن هناك ضرورة ملحة وعاجلة, لصياغة استراتيجية أمن قومي, للسياسة الخارجية لمصر, فعلي أساسها, تحدد الدول الأخري, مسار سياساتها مع مصر. وهذا أمر يحتم تشكيل مجلس أمن قومي حسب المعايير المعمول بها في العالم ويكون المجلس بمثابة, عقل الرئيس والدولة, في ادارة السياسة الخارجية, والمنار الذي تري الدنيا علي ضوئه ما هي مصر, وكيف تفكر, والي أين تتجه؟ المزيد من مقالات عاطف الغمري