علي مكتب الرئيس المصري المقبل ستكون هناك عدة ملفات مهمة حول قضايا الأمن القومي. احدها لابد أن يحمل عنوانا حول الملامح العامة للسياسة الخارجية الجديدة طيلة30 عاما لم تكن لمصر سياسة خارجية حقيقية. كان لدينا نمط بال من بقايا سياسة لا تعرف سوي التبعية المطلقة للولايات المتحدة. ومن ثم تطويع كل السياسات والتوجهات لخدمة الأهداف والمصالح الأمريكية علي حساب مصلحة الشعب المصري نفسه. الآن يفترض أن يكون ملف السياسة الخارجية قد خضع ومنذ بداية الثورة لمراجعة شاملة من جانب الخبراء المخضرمين في الوزارة لوضع الأسس الجديدة للعمل الدبلوماسي بما يلبي المصالح والأهداف القومية. وبما يضمن أن تأتي توجهات السياسة الخارجية معبرة عن التغيير الثوري الذي حدث. في الولاياتالمتحدة يصدرون تقريرا دوريا حول شكل العالم بعد عشرة أو عشرين عاما في محاولة لاستقراء ما سيكون عليه حال الدنيا وقتها ومن ثم تقديم توصيات لصانع القرار بالسياسيات المطلوبة للحفاظ علي المصالح العليا الأمريكية. وفي مصر الثورة يجب أن نفعل شيئا مماثلا, خاصة وأننا بحكم الجغرافيا والتاريخ لا يمكن أن نعيش بمعزل عن التأثيرات الإقليمية والعالمية من حولنا. التغيير المطلوب يستلزم أن يرتقي أداء الدبلوماسية المصرية إلي مستوي القيم الثورية النبيلة التي رسخها الشعب وفي مقدمتها الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية. وكما وضعت مصر بعد ثورة1952 قضية مساندة حق الشعوب في الاستقلال علي رأس أولويات سياستها الخارجية فان نفس الأمر يجب أن يتجسد في سياستنا الخارجية الجديدة من خلال مساندة الثورات العربية. ولا يعني ذلك تصدير الثورة المصرية أو تهديد النظم الملكية المحيطة وإثارة مخاوفها. إذ أن عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول سيظل مبدأ ملزما ومعلنا من جانب مصر لتجنيبها هي نفسها كثيرا من المشكلات. ولكن دعم وإيجاد محيط ديمقراطي عربي من حولنا أمر بالغ الأهمية ويشكل سندا للديمقراطية المصرية الوليدة. الغريب في هذا الصدد أن نجد موقف بعض تلك النظم الملكية من الثورة السورية أكثر تقدما وايجابية من موقف مصر الثورة وهي مسألة تؤكد مرة أخري أن التغيير المطلوب في السياسة الخارجية مازال متعثرا. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تسمح الظروف الإقليمية والضغوط الدولية بإجراء تحولات انقلابية في السياسة الخارجية لمصر؟ الإجابة المباشرة هي نعم من الممكن طالما استند التحول إلي رؤية شاملة تراعي مصالح مصر, وتأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين أيضا. خلال الأعوام الماضية أدار النظام السابق سياستنا الخارجية دون رؤية ولا هدف أو مشروع اللهم إلا مشروع التوريث. وفي سبيل هذا عمد إلي تنفيذ كل ما تريده الولاياتالمتحدة. بعد الثورة لم تعد مصر مضطرة لاستجداء رضا أمريكا وإسرائيل من خلال التذرع بعداوات خارجية مع إيران مثلا. كما انه يمكن بسهولة أن تظهر مصر للأشقاء الخليجيين والجيران الإسرائيليين والأصدقاء الأمريكيين أن علاقاتها مع إيران أو غيرها ليست موجهة ضدهم. كما أن إصلاح خطأ استراتيجي كارثي هو تجاهل ملفات السودان وإفريقيا ومياه النيل لمدة30 عاما لا يمكن أن يثير حفيظة احد. وبالتالي فان الانطلاق علي أكثر من محور لإصلاح ما أفسده نظام مبارك سيكون هو الهدف وليس بناء تحالفات مع أو ضد أطراف بعينها. بالمثل فان استعادة مصر لدورها التاريخي والأخلاقي بتقديم الدعم الحقيقي للقضية الفلسطينية وتوظيف كل أوراق الضغط المحلية والعربية والدولية لحل هذه القضية لا يعني الدخول في مواجهة أو حرب جديدة مع إسرائيل. كان النظام السابق يفاخر بأنه يجنب مصر المنازعات, والحقيقة انه كان يميت الدور المصري ويجهض أي محاولة لاستثمار إمكانيات القوة الناعمة لمصر في محيطها العربي والإفريقي والإسلامي. أمام الرئيس المقبل مهمة عاجلة أخري في هذا الصدد هي بدء حملة حقيقية وجادة لاستعادة الأموال المهربة للخارج وإعادة الهاربين لمحاكمتهم. وكما اعتبرت واشنطن أن تطور علاقاتها مع دول العالم مرهون بتعاون هذه الدول معها في موضوع الإرهاب فان مصر يجب عليها أن تعتبر تعاون دول العالم معها لاسترداد أموالها وإعادة اللصوص عنصرا أساسيا في أي تقارب مع تلك الدول. وهي مهمة مطلوب من مجلس الشعب الاهتمام بها. الدبلوماسية المصرية في حاجة لاستعادة دورها الطبيعي الذي حرمها منه نظام مبارك بعد أن سحب منها تقريبا كل الملفات المهمة مثل العلاقات الأمريكية والإسرائيلية والقضية الفلسطينية والسودان وغيرها, والتي أصبحت حكرا علي الرئاسة والمخابرات. كانت الدبلوماسية المصرية دائما الضحية لفشل السياسة الخارجية لهذا لنظام ولم تكن أبدا سببا لهذا الفشل. وأمامها الآن الفرصة لرد الاعتبار لتاريخها العريق وكوادرها البشرية الرفيعة. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق