كان مفهوما أن تطغي الأوضاع الداخلية والسياسات الداخلية علي السياسات الخارجية خلال فترة توهج وفوران ثورة 25 يناير.. فالتركيز جله كان منصبا علي تغيير النظام واسقاطه ورحيل الرئيس.. ولذلك لم يرفع شعار واحد خاص بالسياسة الخارجية خلال الثمانية عشر يوما التي اندلعت فيها المظاهرات في ميدان التحرير وبقية الميادين الأخري في شتي محافظات البلاد.. وحتي بعد اسقاط النظام وتنحي الرئيس مبارك عن الحكم انشغلنا جميعا بالشأن الداخلي وبإعادة ترتيب أوضاعنا الداخلية وبناء نظام ديمقراطي جديد بديل للنظام السابق. لكننا مع ذلك الفهم نعرف أن السياسة الخارجية لأي دولة هي امتداد للسياسة الداخلية التي تنتهجها.. وبالتالي بات من الضروري أن نفكر بعمق أيضا في تغيير سياستنا الخارجية مادمنا نغير الآن سياستنا الداخلية. لم يعد يكفي أن نتحدث فقط عن أسلوب جديد في التعامل مع بعض القوي والدول وحتي الأحزاب مثلما بشر بذلك د.نبيل العربي وزير الخارجية الجديد الذي يحظي باحترام واسع في مدرسة الدبلوماسية المصرية وخارجها.. لم يعد يكفي فقط أن نتحدث عن استعدادنا للحديث مع إيران أو مع حماس أو حتي لفتح صفحة جديدة مع كل هؤلاء وغيرهم كما قال وزير الخارجية. المطلوب أكبر من ذلك.. المطلوب إعادة رسم سياساتنا الخارجية، سواء علي النطاق العالمي أو علي النطاق الإقليمي.. المطلوب أن نعد صياغة جديدة للتعامل مع الولاياتالمتحدة ومع إسرائيل ومع إيران ومع السودان شمالا وجنوبا، ومع دول حوض النيل خاصة إثيوبيا.. وأيضا مع سوريا والعديد من الدول العربية مثل العراق ولبنان. هناك العديد من الملفات تحتاج لمواقف جديدة لسياستنا الخارجية.. منها العلاقات الفلسطينية.. والعلاقات المصرية العربية.. والعلاقات المصرية الإسرائيلية. ولعل ذلك يحتاج أيضا لحوار مجتمعي واسع أيضا مثلما شرعنا بالنسبة لسياستنا الداخلية وأمورنا الداخلية.. فنحن نحتاج لسياسة خارجية تحظي برضا شعبي عليها ولن يحدث ذلك، إلا من خلال التوافق علي أركانها وملامحها الأساسية ولعل أكثر ما كان يؤخذ علي سياستنا الخارجية السابقة هو أنها كانت ناعمة أكثر من اللازم.. كانت مغرقة في الدبلوماسية ومتأخرة في إعلان مواقفها خاصة تجاه من يراهم الرأي العام المصري أعداء حتي ولو كانت تربطنا بهم اتفاقات ومعاهدات وعلاقات اقتصادية وتجارية. كانت سياستنا الخارجية لا تضبط بوصلتها مع الرأي العام واتجاهاته ولا تراعي مشاعره وأحاسيسه.. ولذلك كانت تفصله عنه. ولذلك.. فإن سياستنا الخارجية الجديدة يجب أن تتخلص من هذه النعومة الزائدة علي الحد التي أضرتها وأضرت بالمصالح المصرية ومكانتها الاقليمية والدولية. نريد سياسة خارجية «مخربشة قوية فاعلة» مؤثرة لا أحد يطالب بأن نتخلي عن الدبلوماسية في تصريحاتنا ومواقفنا ولكننا نريد سياستنا الخارجية أن تعكس قوة ومكانة مصر.. ولتتذكروا أن أوباما طالب شباب أمريكا التعلم من اصرار شباب مصر.