رن تليفوني وانطلق صوتها زاعقا مشحونا بالغضب والقوة مثل طلقات صاروخية من مدفع أر بي جي: يا استاذ ماذا نفعل؟ .. وماذا يريدون منا بالضبط؟ تصورت انها تتحدث عن الفيلم المسئ للإسلام ونبيه الكريم.. قلت في عجالة: عندك حق لكن علينا أن نهدأ ونحسن التفكير ونرد بأسلوب يتفق وتعاليم ديننا وقاطعتني السيدة الغاضبة بحدة: يا أستاذ إذا كان ابو طالب قال لإبرهة ملك الحبشة حين هاجم مكة وسعي إلي هدم الكعبة: البيت له رب يحميه.. فأيضا دين الله ورسوله لهما رب يحميهما, إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون- سألتها: إذن..ماذا تقصدين يا سيدتي بكلماتك الغاضبة؟ قالت: عندي سؤال وأريد مساعدتك.. هل اسرق أنا.. أم أجعل أولادي يسرقون؟! صعقني السؤال صعقا شديدا, فلوذت بالصمت ولم أنطق فأصرت السيدة: من فضلك أجب عن سؤالي, أنا لا أهذر.. هذا سؤال جاد! لم أصدق السيدة وتصورت أن صديقا يصنع مقلبا يبدد به سحابات الغم التي تحلق فوق رؤوسنا فقلت لها: سيدتي..السرقة حرام وابحثي عن غيري يجيب لك عن سؤالك. فهمت السيدة أنني أشك فيها فقالت: أقسم بالله العظيم أن سؤالي جاد واأسمي فلانة الفلانة فعلا أصبحت غير قادرة علي مواصلة الحياة, ضاعت مني السبل, وفسدت كل الحيلوراحت تسرد حكايتها: كنت مدرسة في مدرسة إعدادي وأصبت إصابة تمنعني من التدريس فتحولت إلي عمل إداري, تزوجت من عشرين سنة تقريبا وتغربنا في بلاد النفط, واشتري لنا زوجي قطعة أرض وبني عليها بيتا من دور واحد ثم أصيب بمرض خطير وافتكره الله وترك لي ولدين أكبرهما لم يكن قد دخل المدرسة الابتدائية, ومدخرات ضئيلة, وعدت إلي عملي وعشنا علي قد الحال بمساعدة مرتبي وبعض الدروس الخصوصية القليلة وبطاقة التموين والسكن المجاني, كانت مستورة فاحتياجاتنا محدودة, والأيام تمر وكلما ارتفعت الأسعار تنكمش الأصناف والأشياء حتي وصلنا إلي حد الكفاف, وفكرت في الزواج, لعلي أجد رجلا شهما يساعدني في تربية إولادي, وكنت قد تجاوزت الثلاثينيات بقليل, لكن الرجل الشهم مثل العنقاء والغول والخل الوفي لا تجد له أثرا كل رجل يتصور المرأة الوحيدة فريسة تنتظر صيادا, فيظل يناور ويناور لعلها تسقط دون زواج, وفي الآخر يهرب..في النهاية تزوجت رجلا تاجرا صعيديا متزوجا تعيش أسرته في الصعيد, طبعا زواج عرفي شرعي عند محام, وكان يأتي إلي القاهرة كل أسبوعين لآشغاله ويمكث فيها اسبوعا أو عشرة أيام, باختصار عاملني مثل راكب ترانزيت في محطة انتظار, وكان ضنينا علي أولادي بالرغم من وعوده السابقة, فطلقت منه قبل أربع سنوات, وحاولت أن أعيش, لكن مستحيل مستحيل, مرتبي لا يغطي سوي أقل من نصف الشهر.. سكتت السيدة ثم سألتني: قل لي يا أستاذ كيف يعيش ثلاثة أفراد ب0021 جنيه في الشهر, أكل وشرب وملابس وكهرباء ومياه وغسيل ومواصلات ومدارس؟ لم أرد. قالت: طبعا مستحيل, تخيل واحدة سيئة قالت لي: انت خائبة جدا..لماذا تبعين نفسك جملة, القطاعي يحل كل مشاكلك! قلت: لا أفهم قالت: يعني بدلا من الزواج الفاشل, أبيع جسدي في سوق النخاسة فقلت لها الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها..لكن: ماذا أفعل في الجوع؟ قلت: ابنك يشتغل؟ ضحكت مستهزئة: عندك شغلانة. ثم أغلقت السكة.. هل فيكم من يعرف الإجابة عن سؤال هذه السيدة؟ المزيد من مقالات نبيل عمر