في ذكري عميد الرواية العربية نجيب محفوظ, نظم المجلس الأعلي للثقافة ندوة تحت عنوان مرايا نجيب محفوظ, شارك فيها كل من الروائي يوسف القعيد والناقدة د. أماني فؤاد والروائية السودانية بثينة خضر مكي والباحثة أمينة سالم, وأدارها المخرج توفيق صالح, في حضور عدد كبير من المثقفين المصريين والعرب. بدأت الندوة بعرض فيلم تسجيلي باللغة الفرنسية عن نجيب محفوظ, استعرض مراحل حياته, والبيئة التي نشأ فيها واستمد منها مادة الكثير من رواياته, كما عرض الفيلم مقاطع مطولة من آخر حديث تليفزيوني لمحفوظ. وفي بداية الحديث قدمت بثينة خضر مكي ما سمته بشهادة عرفان ومحبة لسيد الرواية العربية, فقالت: استهوتني النصوص السردية المصرية من قصة ورواية, وقرأت للكثير من المبدعين المصريين, لكن روايات نجيب محفوظ جذبتني, وساهمت بشكل كبير في تكوين ثقافتي, كما وجدت أن كتابا سودانيين آخرين قد تأثروا بنجيب محفوظ. وأضافت: إن أكثر ما جذبني في روايات نجيب محفوظ هو وصفه لتفاصيل البيئة المحلية والحياة اليومية والفقراء والمهمشين والطبقة الشعبية في مصر واستلهام التاريخ والتراث الشعبي, كذلك فقد تميز بالجرأة والشجاعة في عرض قضاياه, وبشمولية نظرته. وأشارت إلي أن نجيب محفوظ استطاع مواكبة الفترات الزمنية المختلفة والتغيرات الاجتماعية التي حدثت للشعب المصري, وأنه أضاء الطريق أمام الروايات العربية ورفعها إلي مصاف الروايات العالمية. أما د. أماني فؤاد فقد عرضت ورقة بحثية بعنوان: المرأة.. ثورة لم تنجز في أدب نجيب محفوظ, وذلك عبر قراءة لرواية الحرافيش, وفيها تساءلت عن موقف نجيب محفوظ العميق وليس السطحي- من المرأة, وهل أسهمت إبداعاته في تحررها؟ وماذا قدم لها من رؤية فنية فلسفية تشمل كيانها الإنساني؟ مشيرة إلي أنها اختارت رواية الحرافيش كنقطة ارتكاز لبحث رؤية محفوظ للمرأة في المجتمع, وذلك لأنه نص ملحمي يجسد بانوراما متسعة لأسئلة الإنسان علي مر التاريخ, ولأن العمل يزخر بالشخصيات النسائية تصل إلي خمس وعشرين شخصية رئيسية بالإضافة إلي الشخصيات الفرعية, كما يتضمن النص محاكاة الواقع في أوائل القرن العشرين من خلال أسرة مصرية. وأضافت: أنه بعد قراءة متفحصة للرواية, وبمقارنتها بنصوص أخري لمحفوظ, وجدت أن نجيب محفوظ لم يكن له موقف فكري وفني ضد المرأة, لكنه أيضا لم ينشغل بموقف ثوري يخرج بالمرأة من الثقافة الذكورية, وهكذا فإن المرأة ثورة لم تكتمل في أدب نجيب محفوظ, رغم أنه كانت له دائما رؤية فنية ثورية, حتي أنه علي المستوي السياسي- فإن الحرافيش تنتهي بثورة. وتحدثت أمينة سالم عن تجربة تحويل رواية بداية ونهاية إلي عمل مسرحي, حيث عرضت علي المسرح القومي عام 1959, ثم أعيد عرضها مرة أخري من عام 1961 وحتي 1963, وفي المرة الأولي قامت بدور نفيسة في العرض عايدة عبد الجواد وتوفيق الدقن بدور حسنين, وقامت بدور الأم أمينة رزق, ثم أعيد عرضها بإعداد جديد لأحمد عبد المعطي من إخراج فتحي عبد الحكيم الذي قدمها برؤية إخراجية جديدة ركز فيها علي البعد الاجتماعي للرواية, ثم قدمت في عام 1986 بجيل جديد من الممثلين بفرقة فناني وإعلاميي الجيزة لكن لم تأخذ حقها من النجاح, لأن المخرج لم يتمكن من تقديم رؤية جديدة تتناسب والمتغيرات الاجتماعية. وعلق توفيق صالح علي رواية بداية ونهاية, فقال إن نجيب محفوظ كان يعتزم كتابة رواية كوميدية مرحة, ولكنه كتب أكثر رواياته مأساوية, وأضاف أنه ضمن أحداث الرواية يدخل ابن العائلة الكلية الحربية بالواسطة, و قد حدث ماشابه هذا عام 1936 بعد أن وقع النحاس باشا المعاهدة مع الإنجليز, و كانوا يريدون زيادة عدد الجيش المصري, فأخذوا شبابا ليسوا من الأغنياء وكان منهم الرئيس جمال عبد الناصر. وقال يوسف القعيد: إن نجيب محفوظ قابل الأسرة التي أوحت له بفكرة رواية بداية ونهاية أثناء عمله في مؤسسة القرض الحسن.. وانتقد القعيد من يخلطون بين روايات نجيب محفوظ والأفلام التي تقدم عنها, حيث إن البعض يحكم علي الرواية من خلال الفيلم, وأشار إلي أن من بين الانتقادات التي وجهت لمحفوظ هو انتحار البطل في بداية ونهاية في حين أن البطل لم ينتحر في الرواية, بل انتحر في أحداث الفيلم فقط. وعلق القعيد علي ما طرحته د. أماني فؤاد عن موقف نجيب محفوظ من المرأة, مشيرا إلي أنه يختلف معها في بعض ما قالته من أن محفوظ همش المرأة, وجعلها منطقة رخوة في أعماله, مشيرا إلي شخصيتين علي سبيل المثال- في أعمال محفوظ تمثلان الشخصية الإيجابية, وهما شخصية سمارة بهجت الصحفية في ثرثرة فوق النيل وسوسن حماد الفتاة اليسارية في الثلاثية, لكنه حاول أن يقدم صورة المرأة المعاصرة له, وهو قد ولد عام 1911