الليثيوم القصة الكاملة| تراجعت أسعار المعدن وبدأت التخفيضات على السيارات الكهربائية    استشهاد 8 فلسطينيين وإصابة آخرين في مخيم النصيرات بغزة    وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظومات باتريوت    أرقام قياسية بالجملة للأهلي بعد الوصول لنهائي إفريقيا الخامس تواليًا    «ونعم الأخلاق والتربية».. تعليق مثير من خالد الغندور على احتفال محمد عبد المنعم بهدفه في مازيمبي    رسالة شديدة اللهجة من خالد الغندو ل شيكابالا.. ماذا حدث فى غانا؟    طارق يحيى يهاجم مسئولي الزمالك: كله بيشتغل للشو و المنظرة    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    «حماس» تتلقى ردا رسميا إسرائيليا حول مقترح الحركة لوقف النار بغزة    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    كولر : جماهير الأهلي تفوق الوصف.. محمد الشناوي سينضم للتدريبات الإثنين    "في الدوري".. موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد الفوز على مازيمبي    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    حريق يلتهم شقة بالإسكندرية وإصابة سكانها بحالة اختناق (صور)    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    حمزة عبد الكريم أفضل لاعب في بطولة شمال أفريقيا الودية    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى..
أيام من نار!
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 06 - 2019

أنا مهندس حر على مشارف سن الستين، وقد خضت حياة صعبة منذ مجيئى إلى الدنيا، وبالإصرار والعزيمة تغلبت على عقبات كثيرة اعترضتنى، وكادت أن تضيع أحلامى وأهدافى التى لازمتنى منذ الصغر، فلقد نشأت فى قرية بسيطة بإحدى محافظات الصعيد، لأب فلاح، وأم ربة منزل وخمسة أشقاء، وبرغم شظف العيش وقلة دخل أبى فإنه أصر على تعليمنا، وكان يواصل العمل ليلا ونهارا، وتؤازره أمى نهارا فى الحقل، ثم تعود آخر اليوم لترتيب البيت، وتطهو الطعام وتطمئن علينا، بل وتتابع مسيرتنا المدرسية مع المعلمين برغم أنها لم تتلق أى قدر من التعليم.. وعندما وصلت إلى المرحلة الثانوية تعجبت من قدرتها على المواءمة بين المهام التى تؤديها بكل همة ونشاط دون كلل أو ملل.. أما أبى وبرغم مشاغله فإنه كان حريصا على الجلوس معنا، وإعطائنا دروسا فى الحياة من خبراته، واكتشفت رجاحة عقله، وميزانه الدقيق للأمور، وكأنه خبير فى كل شىء.. نعم استفدت كثيرا منه، واكتسبت صفاته التى ساعدتنى فى اجتياز المرحلة الثانوية، ثم الالتحاق بكلية الهندسة، ومازال يوم نتيجة الثانوية العامة محفورا فى ذاكرتى، حيث اجتمعت البلدة كلها فى شارعنا وعشنا فرحة كبيرة، فدفعنى هذا الحب إلى التفوق فى الجامعة، وفور تخرجى وأدائى الخدمة الوطنية، جاءنى عقد عمل فى دولة عربية، ونلت ثقة مسئولى الشركة التى التحقت بها.
وبعد انتهاء العام الأول من العقد، عدت إلى مصر، وفاتحتنى أسرتى فى الزواج، ورشحت لى أمى بنتا من الجيران كنت أعرفها من بعيد، فشاورت نفسى، واستطلعت معارفى، فأثنوا جميعا عليها، وعلى أخلاقها وأهلها، وعقدنا القران، وسافرت من جديد بعد انتهاء الإجازة الصيفية، ولحقت بى زوجتى، وبدأنا معا حياة جديدة مستقرة، وأقبلت على عملى بكل همة ورغبة فى التقدم، وتوسعت دائرة معارفى، وتلقيت عروضا جديدة من شركات أخرى أرادت أن أنتقل إليها بعد انتهاء عقدى مع الشركة التى أعمل بها، فاخترت شركة كبرى رأيت أننى سأستفيد منها خبرات جديدة، وتزامن ذلك مع إنجاب زوجتى مولودنا الأول، وبلغ النبأ السعيد أهلنا فى مصر، فأقاموا حفلا كبيرا احتفالا بولى العهد، وأكرمنى الله بتوزيع جزء من المال على المحتاجين من أهل البلدة، واشتريت قطعة أرض أقمت عليها منزلا من أربعة أدوار، وساهمت فى تزويج أخوتى، وازدادت علاقتى بزوجتى وأهلها رسوخا وأنجبنا ولدا وبنتا آخرين، وكبروا جميعا والتحقوا بالمدارس، وقبل دخولهم الجامعة، شاورت زوجتى فى التوقف عن السفر عند هذا الحد، وقلت لها: لقد أفاء الله علينا من نعمه الكثير، وقد آن الأوان لنعود إلى بلدنا، ونواصل رحلتنا فى الحياة وسط أهلنا، فأيدتنى تماما، وفكرنا معا فى المرحلة الجديدة التى سنقبل عليها، وانتهينا إلى أن أقيم مشروعا بمدخراتى فى إحدى المدن الساحلية، ولكن العيب الوحيد الذى رأته زوجتى فى هذا المشروع هو أنه سيبعدنى عن الأسرة إذ لن أستطيع السفر يوميا إلى هذه المدينة، فهدأت من روعها، وقلت لها إننى سوف أرتب الأمور لكى أقسم أيام الأسبوع بين الشركة والبيت، ولم يكن ممكنا أن ننتقل جميعا إلى المدينة الساحلية لارتباط أبنائنا بالدراسة فى جامعة المحافظة التى نقطن بها، فوافقت على مضض، ومرت أعوام طويلة وأنا حريص على تقسيم الأيام بين العمل والبيت وفقا لاتفاقنا باستثناء بعض الفترات التى كان فيها ضغط العمل بالمشروع شديدا، فكنت أعتذر لزوجتى عن عدم مجيئى إلى البيت واستمرارى فى العمل أسبوعا آخر، وتكرر ذلك كثيرا، والحق أنها تقبلت هذا الوضع بارتياح، ولم تتضرر، وكانت دائما عند عهدى بها.
وذات يوم فاتحنى أحد المساعدين لى فى الزواج من قريبة له، قائلا: إنه لاحظ أنى أقضى فترات طويلة وحدى، وأننى فى حاجة إلى من تؤنس وحدتى، فأنكرت ما قاله بشدة، بل ورفضت مجرد الحديث فيه، ومرت شهور ثم عاد وكرر على مسامعى نفس الطلب، فقلت له: لست على استعداد للتضحية بزوجتى وأبنائى، فهم كل حياتى، فقال لى: لن يشعر أحد بشىء، فمن الممكن أن تتزوج عرفيا، وهو زواج حلال فيه عصمة لك، وأن من يرشحها لى سيدة لم تصل إلى سن الأربعين، وهى أرملة توفى زوجها وليس لديها اولاد وتتقاضى عنه معاشا كبيرا، والزواج العرفى سيضمن لها استمرار المعاش، وفى الوقت نفسه يوفر لك حياة مستقرة بعيدا عن الأسرة، ورتب لى لقاء مع شقيقها الوحيد، ووجدتنى بين يوم وليلة أتزوج بهذه السيدة، وأنا غير راض تماما عما فعلته، ثم حدث ما لم يكن فى الحسبان، إذ حملت زوجتى الثانية وأنجبت ولدا سجلته باسمى فى الأحوال المدنية، ولم أرتح لهذا الوضع، وعشت صراعا مريرا، ولم أعرف سبيلا لمواجهة هذه الأزمة المستعصية.
وبينما أنا على هذه الحال، أحسست بمتاعب صحية شديدة، وعانيت آلاما رهيبة فجأة ودون أن تكون لها أى مقدمات، ولم أستطع الذهاب إلى المدينة الساحلية، ولا مباشرة عملى بها، وأسرعت إلى المستشفى، وترقبت نتيجة التحاليل والأشعات، فإذا بها تبين أننى أصبت بأورام فى أنحاء متنوعة من جسدى، وأن حالتى متقدمة.. فى البداية حدث لى انهيار شديد، ولم أذق طعم النوم ليلا ونهارا، برغم الأقراص المهدئة التى وصفها لى الأطباء، ثم تقبلت أقدارى، ولم أعد أخشى الموت، واستسلمت لجلسات العلاج الكيماوى، وكل ما يؤرقنى هو وضع ابنى من زوجتى الثانية، ووضعها هى أيضا من الناحية القانونية، ورد فعل زوجتى الأولى وأبنائى، حيث إنهم لا يعلمون بزواجى من أخرى.. والله يا سيدى إننى لم أعد أفكر فى الآلام الرهيبة التى تقطع جسدى، وإنما فى هذا الوضع الذى انسقت إليه بإرادتى وبإيعاز من أحد المساعدين لى، فمن حق ابنى الثانى أن يعرف إخوته، وأن يعيش معهم، ومن حق زوجتى الثانية أن توثق زواجنا رسميا، وهى تتصل بى كل يوم من أجل تأتى إلينا وتعيش معنا، وأن يعرف الجميع أمر زواجنا، وأنها لا تريد معاش زوجها الأول، فهو حرام، وكأنها لم تعرف الحرام والحلال فى هذه المسألة إلا الآن.
إن أيامى فى الدنيا معدودة، وأخشى أن أموت، وهذه المشكلة بلا حل، وأخشى أيضا إن أعلنت كل شىء بوضوح أن يكون رد الفعل قاسيا على زوجتى الأولى وأبنائى منها، وسوف ينسى الجميع مرضى، وأصبح حديث الأهل والمعارف والجيران.. وإنى أبعث إليك بهذه الرسالة ليعرف الجميع خطورة ومآسى الزواج العرفى وما يترتب عليه من مآس، كما أرجو أن توجه كلمة إلى زوجتى الأولى وأبنائى لكى يتفهموا الظروف التى عشتها فلا يتخلوا عنى وأنا على مشارف الموت.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
الإنسان العاقل هو الذى يحسب خطواته بدقة، ويعرف دائما موضع قدمه فى كل خطوة يخطوها، وما كان لمثلك وأنت رجل مثقف، ولديك من خبرات الحياة الكثير أن تنزلق إلى الهاوية بتصرف أحمق لا تجد وسيلة لعلاجه الآن، وأنت على فراش المرض.. لقد سافرت إلى الخارج سنوات طويلة، وأسست أسرة ناجحة، وتفوق أبناؤك فى دراستهم، وأتوقع أن يحققوا ما حققته من نجاحات، ولم تنكر على زوجتك ما تتمتع به من خصال حميدة، والتضحيات التى قدمتها للأسرة، والعلاقة القوية التى جمعتها بك.. نعم ما كان يجب أن تستجيب لإغراءات قدمها لك أحد مساعديك للزواج عرفيا من قريبته التى رأى أن يجمع لها الحسنيين، الاحتفاظ بمعاشها عن زوجها الأول، وما توفره لها من حياة رغدة بفعل أموالك حصاد الشقاء والغربة.
ولو أنك أردت الزواج تلبية لرغبة لديك، فإن هذا حق لا ينكره عليك أحد، ولكن باتباع الطرق الواضحة، وإعلان الزواج على الملأ حتى لو اعترضت زوجتك الأولى، فقد كان من الممكن أن تكسب ودها، وتدفعها إلى الموافقة على الزواج بأخرى لكى لا تنزلق فى الخطيئة، فإذا واصلت اعتراضها فلها ما تريد، إما الاستمرار على ذمتك ورعاية أولادكما، أو الانفصال طلبا للخلاص من الحالة النفسية التى ألمت بها نتيجة إقدامك على ما لم تتوقعه ممن وهبت نفسها وحياتها له.
ولا سبيل إلى تدارك هذا الخطأ إلا بإشهار وتوثيق زواجك من الأخرى، لكى تبرئ ذمتك أمام الله، وينضم ابنك منها إلى أبنائك من زوجتك الأولى، ولتتق زوجتك الثانية الله، فلا تأخذ معاشا عن زوجها الراحل، وهى متزوجة بآخر، فما تحصل عليه، منفعة مادية غير مشروعة، فالعقلاء من الناس هم الذين يسلكون فى كل شئونهم لاسيما الزواج الطريق السليم الذى دعت إليه القوانين المعمول بها، والتى تؤيدها الشريعة الإسلامية.
إن الزواج العرفى يجعل المرأة وأفراده يستخفون بهذا الرباط المقدس والميثاق الغليظ وهم لصوص أعراض ولصوص أموال، ومن تحصل على المعاش، وفى الوقت نفسه تمارس العلاقة الجسدية مع آخر، تأكل المال بأسباب باطلة عن طريق الحرام، والله سبحانه وتعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا» (النساء 29 ، 30)
وإذا أردنا علاج هذه الظاهرة، فلابد من تعديل قانون الأحوال الشخصية بمنع إبرام عقود الزواج العرفي، والنص على بطلان هذا العقد، وعدم الاعتداد بأى آثار قانونية له، فهذا الزواج لا يقتصر على الكبار طلبا للمتعة، وإنما هو منتشر بين الشباب، ففى جانب كبير من هذه القضية نجد أن الأسرة صارت طاردة للأبناء، بينما أساس وظيفتها هو جذب البناء وغرس القيم والأصول فى نفوسهم. والشباب فى سن المراهقة يستجيبون فى هذه الحالة للنداء العضوى الداخلى، وهو خطير، والإلحاح الغريزى مستمر، كما أن الاستثارة مستمرة لاختلاط الأولاد بالبنات.
ومن الطبيعى أن يتطلع كل رجل إلى الزواج، ولكن أحياناً بعد مرور الزمن يكتشف أن بها نقصا لا يستطيع معه إشباع حاجاته، أو إنه قد ازداد نهمه، فأراد أن يكّون علاقة مع امرأة أخرى، فيجد أمامه خيارين، إما أن يتزوج المرأة التى يريدها من وراء علم الزوجة، ذلك لأنه يخشاها أو لأنها هى المتحكم فى رأس مال الأسرة أى بمعنى أنها هى الأغنى أو أنه يخشى مصارحتها بالحقيقة حتى لا يحرم من زواجه بها، وهى ساندته، ووقفت بجانبه وقت الشدة، وعندما يفتضح أمره يجد نفسه قد خسر كل شىء، لذلك فإن هذا الرجل يفكر كثيراً قبل إقامة علاقة زوجية أخرى حتى لا تؤدى إلى انهيار حياته الزوجية الأولى، وأما الخيار الثانى الذى قد يلجأ إليه، فهو إقامة علاقة غير مشروعة تحت مسمى «العلاقات العرفية» ليتهرب من الزوجة الأولى.
والحقيقة أن مشكلة «العلاقات العرفية» بين الأزواج فى مجتمعنا، هى نتاج مختلط بين مفهوم علاقة الصداقة الغربية وعلاقة الزواج الشرقية، فهى علاقة قد يعترف بها بعض الأفراد دون أن تمس الأخلاقيات، ولكن لا يعترف بها المجتمع فى ساحات القضاء.. إذن هى علاقة معقدة، ومعظم أسبابها مبهمة، ومن ثمّ لا نستطيع أن نجد حلولا عملية لها، ولكننا نؤكد أن التمسك بالأخلاق الدينية والبعد عن الشذوذ فى العلاقات الاجتماعية خير وازع للحفاظ على مجتمعنا من الفساد الأخلاقى.
إن الزواج عقد تباركه يد الله تعالى وتربط به بين الزوج والزوجة وتزكيه بأواصر المحبة والرحمة والألفة والامتزاج والمعاشرة الحسنة، وذلك لما فيه من تنظيم للعلاقات الجنسية وتحقيق المشاركة الوجدانية المتينة وتعاون صادق على مشاق الحياة الإنسانية، والالتزام الكامل للآداب الدينية، ونجد أن الله سبحانه وتعالى قد عبر عن عقد الزواج بأنه (ميثاق غليظ) مخاطبا الرجال فى شأن زوجاتهم بقوله سبحانه وتعالى: «وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» (النساء 21) أى أنه عقد موثق بالرعاية والقيام بالمصالح وأداء الحقوق وحسن العشرة، فتوثيق العقود احتياط عظيم لحماية الأعراض وحفظ النسب وإقامة الأسر العفيفة الشريفة وتأسيس البيوت الصالحة النظيفة لتكون لبنة قوية فى بناء الأمة، وهو تكريم للرابطة الزوجية التى هى أعظم الروابط البشرية، وحتى تحصل الزوجة على حقها فى الكرامة والرعاية والنفقة والإرث، ولذلك فالزواج بورقة عرفية غير مقبول لأنه علاقة مؤقتة، ويحمل كلا الشخصين المتفقين على هذا الزواج العرفى فى حناياه بواعث خبيثة ونيات فاسدة تجعله يخشى توثيقه ويرفض تسجيله حتى لا ينكشف أمره ولا يفتضح سره، وهذا الزواج معروف بزواج السر، ويعتمد على المتعة والنشوة وإشباع الرغبات الجسدية، ويهدر حق الزوجة فى الميراث هى وأولادها، ويجعلهم فى مهب الريح.
ولا سبيل إلى تدارك هذه القضية إلا بتقوية الوازع الدينى لدى الشباب ليكون لهم بمثابة المصل الواقى من جميع أنواع الانحراف تطبيقاً للحديث الشريف: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». وأيضاً العمل على مواكبة العصر ومحاولة تعديل الأفكار والعادات البالية المرتبطة بالزواج، مثل المغالاة فى المهور والمطالب المادية، وتقول القاعدة الشرعية: «إن طريق المحرم محرم مثله»، ولذلك فإنه ينبغى سن التشريعات التى تصمد أمام هذه الذرائع، وتقفل هذا الباب تماما، وأن يجرم هذا الزواج، فالقاعدة الشرعية أن تصّرف الراعى منوط بمصلحة رعيته لقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
أما بالنسبة لمشكلتك، فلابد أن تصارح زوجتك وأبناءك بما كان من أمرك، حتى ينشأ ابنك من زوجتك الثانية بين أخوته، ولتأخذ زوجتك الأولى قرارها، إما بالبقاء على ذمتك، أو الانفصال، وهذا حقها، وعليك الاستعانة بالأهل لوضع النقاط على الحروف، وإنى أرجوهم جميعا أن يكونوا على قدر المسئولية، فيؤازروك فى محنتك، وأسأل الله لك الشفاء، والتوفيق والسداد، وهو وحده المستعان.
لابد أن تصارح زوجتك وأبناءك بما كان من أمرك، حتى ينشأ ابنك من زوجتك الثانية بين أخوته، ولتأخذ زوجتك الأولى قرارها، إما بالبقاء على ذمتك، أو الانفصال، وهذا حقها، وعليك الاستعانة بالأهل لوضع النقاط على الحروف، وإنى أرجوهم جميعا أن يكونوا على قدر المسئولية، فيؤازروك فى محنتك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.