الملصق أو (الأفيش) السياسى وسيلة لم تعد ذائعة عندنا كثيرا فى مخاطبة الجمهور وحشد مشاعره الوطنية، رغم أن لنا تاريخا مشهورا فيها، وقدرت أن انقراض (الأفيش) هو أمر مرتبط بظهور وسائط الاتصال الاجتماعى وذيوع طرائقها فى مخاطبة الناس عبر (البوستات) و(الهاشتاج) وغيرها، ولكننى انتبهت إلى استمرار استخدام الملصق أو (الأفيش) فى مجتمعات متقدمة ودول عالمية كبيرة. ومن أحد الأفيشات التى رأيتها واحد فى الولاياتالمتحدةالأمريكية أراه يصلح لنا فى مصر اللحظة الراهنة، ويقول الملصق برسالة صادمة: (توقف عن الشكوى من بلدك ولا تكون أحمق.. قم بواجبك جيدا فحسب لأنك.. أنت وطنك)، وبالطبع سُطرت تلك الكلمات بحروف بيضاء وسوداء ضخمة على أرضية حمراء فحققت الأثر النفسى منها وجعلت رسالتها مقتحمة لكل من يشاهدها، فضلا عن ظهور قبضة بشرية فى نهايتها تشير لمن يقرؤها أو يطالعها بأصبعها، فتشعره أنه المقصود بالخطاب وأن أمته تراقبه. فن الملصق أو الأفيش مازال يحيا فى الدنيا كلها، وعندى إحساس أننا هجرناه ليس لأنه صار أقل فاعلية فى زمن الإلكترونيات، ولكن لأننا انغمسنا أكثر فى ممارسة أشكال أكثر تخلفا فى التعبير والحشد والتعبئة، حين رحنا نكتب على الجدران وأسفلت أرض الشوارع والأسوار على نحو قبيح، ونستخدم عبارات متدنية علنا، ولا أظن أن ذلك كان تعبيرا عن أفكار تبدو ثورية كمثلها انتشر فى كل مكان إبان عملية يناير عام 2011، ولكنه مسلك مريض كالعبارات التى يكتبها البعض على الحوائط والأبواب فى دورات المياه العامة.. الموضوع يحتاج إلى تحليل نفسى جماعى، وأن نضع أيادينا على الأفكار التى تعتمل فى أذهان البعض وتدفعهم إلى ارتكاب أفعال تؤدى إلى هذا التلوث السياسى والأخلاقى، وألاحظ اقتران خطاب الحوائط والشوارع برسوم الجرافيكس الضخمة، التى وإن ظهرت فى بعض عواصم أوروبا إبان الاضطرابات الكبرى، فإن لها مستوى يسمح لها بمحاولة الظهور، وإن كانت دائما عرضة لمقشات البلدية وفرش الطلاء التى تطمسها وتزيلها، كما لاحظت أن شعارات الحوائط ورسومها فى مصر لا توجه رسالة وطنية إلى الناس، ولكنها تمارس متعة الشتائم العلنية، تحتاج إلى فحص وتشخيص وعلاج، وتحديد لماذا لجأ الناس إليها، وتخلوا عن شعارات مثل: (أنت وطنك)!. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع