خلال التقاط الصورة الرسمية لقادة قمة العشرين فى اجتماعهم العام الماضى، وقف مئات المصوريين الصحفيين يلتقطون كل شاردة وواردة من التفاصيل الصغيرة.. من صافح من بحرارة، من تجنب تبادل الابتسامات، من ربت على كتف الآخر، من تبادل كلمات ترحيب ودودة مع الآخرين، ومن وقف فى نهاية الصف وحيداً. فالصورة الرسمية للاجتماع السنوى العام تعكس المزاج العام والأجواء الدولية والعلاقات الثنائية بين قادة العالم. ولغة أجسادهم تعكس ما إذا كانت هناك احتمالات لاختراقات فى الملفات المعقدة. وخلال اجتماعات قمة العشرين لهذا العام فى مدينة أوساكا اليابانية ستكون كل الأنظار موجهة للديناميكيات بين قادة العالم وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والرئيس الصينى شى جين بينج ، اللذان يشاركان فى القمة على خلفية حرب تجارية ضروس، أدت إلى رفع التعريفة الجمركية بينهما فى تصعيد غير مسبوق إذا ما تواصل سيؤدى إلى تباطؤ اقتصاد البلدين، وبالتالى تباطؤ عالمي. هناك دائماً حدثان متوازيان فى قمة العشرين، الاجتماعات الرسمية، واللقاءات الثنائية التى تعقد على هامش القمة وهذه تكون أكثر أهمية. وستكون الأنظار كلها موجهة للقاء الثنائى بين ترامب وشي. فالعلاقات الصينية -الأمريكية فى مفترق طرق ،وهناك فرصة، وإن كانت ضئيلة، أن ترامب الذى يؤمن بالدبلوماسية الشخصية واللقاءات وجها لوجه مع حتى أكثر الزعماء إثارة للجدل مثل الرئيس الكورى الشمالى، يمكن أن يخرج بنتائج ايجابية من لقائه مع نظيره الصيني. وسيقيس العالم نجاح اللقاء الثنائى إذا ما اعلنا التوصل لتسوية لمنع تصعيد حرب التعريفة الجمركية بينهما، ووضع خطة عمل مستقبلية ذات مصداقية لإعادة العلاقات التجارية بينهما لمسارها الطبيعي. طبعاً، لقاء ترامب وشى جين بينج ليس مسألة تخص العلاقات الثنائية بين بلديهما فقط، بل مسألة تخص وضع الاقتصاد الدولى الذى سيكون على رأس القضايا المطروحة للنقاش. وهناك قلق دولى متزايد لأنه إذا فشلت قمة أوساكا فى تهدئة التوترات الصينية -الأمريكية، فإن خطر التباطؤ العالمى سيكون ماثلاً. طبعاً لا تشارك دول مجموعة العشرين فى القمة بنفس الأولويات. فالأولوية لأمريكا والصين هى العلاقات التجارية، والأولوية للاتحاد الأوروبى هى التنمية المستدامة وقضايا البيئة التى تهدد النمو الاقتصادي. أما قادة دول الاقتصاديات الصاعدة فالأولوية بالنسبة لهم هى وقف التهديدات للنظام الاقتصادى العالمى بسبب «صراع الدببة» بين امريكاوالصين. اليابان، البلد المضيف، لديها أيضا أولويات للقمة من بينها «البنية التحتية العالمية»، وذلك بعدما نجحت الحكومة اليايانية فى الضغط للتركيز على هذا البند خلال اجتماعات العشرين. و فى واقع الأمر،إيجاد أرضية مشتركة ليس أسهل الأمور حالياً. فمجموعة العشرين عندما تأسست عام 2008، جاءت على خلفية الأزمة المالية العالمية التى وحدت كثير من الدول حول العالم لوضع ضوابط ومعايير للنظام المالى المنفلت. وكانت هناك آمال عريضة أن المجموعة، وهى أكبر 19 أقتصادا فى العالم، إضافة إلى الاتحاد الأوروبى، وتشكل 85% من التجارة العالمية وثلثى سكان العالم، ستكون منصة انطلاق لتحقيق تعاون دولى غير مسبوق. لكن وبعد 11 عاماً من تأسيس المجموعة تلاشى إلى حد كبير الشعور بالهدف المشترك الذى جمع قادة العالم فى خضم الأزمة المالية العالمية. فالدول الكبرى «مقيدة اليدين» فيما يتعلق بقدرتها على دعم النمو العالمى بسبب مشاكلها الاقتصادية الداخلية. كما أن هناك شروخا كبيرة بينها بسبب الاستياء من التعريفات التى فرضها ترامب بالفعل على الصين والاتحاد الأوروبى أو التعريفات الإضافية التى يهدد بفرضها على الغالبية فى مجموعة العشرين، وسط مخاوف من أن سياسات ترامب جعلت منظمة التجارة العالمية على حافة الهاوية. من الصعب تصور أن تؤدى قمة العشرين فى أوساكا إلى حل المشكلة التجارية بين أكبر اقتصادين فى العالم، لكن المأمول أن تضع خطة علاج تكون قابلة للإستمرار. فالحروب التجارية على خلفية الحمائية قد تظل حاضرة لفترة من الوقت وهذا يعنى أنه لابد من إصلاح آلية تسوية المنازعات التجارية، والمطالبة بمزيد من الشفافية حول قواعد التجارة الدولية. وسط كل هذه الضغوطات، تأتى لقمة العشرين دول فى مفترق طرق، من بينها بريطانيا التى تمر بفترة عدم استقرار سياسى غير مسبوقة بسبب البريسكت. وبرغم أن رئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماى ستشارك فى القمة، إلا أن الأنظار كلها تتجه للندن لمعرفة من يخلفها. ويقول مسئول بريطانى على دارية بالترتيبات البريطانية لقمة العشرين ل»الأهرام» إن أولوية ماى فى أخر قمة عشرين تحضرها ستكون لقضايا المناخ والتعليم. وتريد ماى أن تنفق بريطانيا أكثر من 20 مليار جنيه استرلينى لتعزيز موارد الطاقة البديلة فى بريطانيا وهى، كما يقول معارضوها، تكلفة هائلة، لكن ماى، التى تريد ترك إرث سياسى ما والتى ترى التوترات فى الشرق الأوسط والتصعيد المحتمل مع إيران واحتمالات ارتفاع كبير فى اسعار النفط، تصر على ان الطاقة البديلة والنظيفة «لم تعد خياراً بل توجه حتمى للمستقبل». وهى على الأرجح محقة، وهذا يعنى أن العالم فعلاً فى مفترق طرق ولحظة تغيير كبرى.