شهد العالم طفرة كبيرة فى مجال المنظمات الدولية المعنية بأوضاع حقوق الإنسان, ورغم أن بعض تلك المنظمات كان لها دور إيجابى وساطع فى الدفاع عن حقوق الإنسان فى بعض الدول والمناطق التى تحدث بها انتهاكات لتلك الحقوق, وشكلت التقارير الصادر عنها توثيقا للكثير من الجرائم والانتهاكات, فإن تجربة العقود الثلاثة الماضية - وتحديدا منذ انتهاء الحرب الباردة - شهدت انحرافا واضحا فى عمل تلك المنظمات وفى أهداف التقارير الدولية التى تصدرها, فمنظمات مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش بل والأممالمتحدة, أصبح يغلب عليها الطابع السياسى، حيث أصبحت قضايا حقوق الإنسان مظلة ظاهرها الرحمة فى الدفاع عن حقوق الإنسان, بينما باطنها العذاب فى التدخل لتحقيق أجندات سياسية، سواء للدول الكبرى أو لمن يقف وراء تلك المنظمات، وأصبحت تثير الكثير من التساؤلات حول مصداقيتها وحياديتها بل وجدواها. فقد كشفت تقارير منظمة هيومان رايتس ووتش عن الأوضاع فى مصر خاصة فى سيناء وما ذكرته من ادعاءات مضللة حول حقيقة الأوضاع هناك، ومزاعم عن وجود انتهاكات بحق المدنيين من أهل سيناء, إن المنظمة تحركها دوافع سياسية تستهدف من وراء تلك المزاعم الضغط على الدولة المصرية, كما أنها تحولت لأداة فى يد تنظيمات وجماعات مثل تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابى, حيث افتقدت التقارير الصادرة عن تلك المنظمة أبسط قواعد المهنية والموضوعية عندما تستقى معلوماتها من شخصيات ومصادر مجهولة تدعى أنها مصرية وأنها من أبناء سيناء, بينما هى عناصر تقيم فى الخارج تحمل عداءات للدولة المصرية, كما أن المنظمة لم تبرز وجهة نظر الدولة المصرية فيما يحدث فى سيناء, لكنها تعتمد بشكل أساسى فى معلوماتها على عناصر إخوانية فى الخارج تزودها بمعلومات مضللة وزائفة, ومن ناحية ثانية تتسم تقارير هيومان رايتس ووتش بالازدواجية والانحياز حيث تركز دائما على حقوق الإرهابيين, بينما تتجاهل تماما حقوق ضحايا العمليات الإرهابية من المدنيين ورجال الأمن من الشرطة والجيش, كما أنها تصف ما تقوم به الجماعات الإرهابية فى سيناء بالتمرد، بينما هى أعمال إرهابية تقوم بها ميليشيات وتنظيمات إرهابية خارجة عن القانون وتسعى لتقويض أمن واستقرار مصر, وبالتالى فإن هذه المعالجة وهذا النهج المنحاز من جانب هيومان رايتس يطرح التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لتلك المنظمة ولتقاريرها الصادرة عن مصر, خاصة مع ارتباطها بدول تحمل عداء للدولة المصرية مثل قطروتركيا، بل وبعض الدول الغربية التى تستخدم قضايا حقوق الإنسان وتقارير تلك المنظمات للتدخل فى الشئون المصرية. كذلك فإن تقارير منظمة العفو الدولية تفتقد أيضا الموضوعية والحيادية والمهنية وغلبت عليها الاعتبارات السياسية، وهو ما ظهر فى طريقة ومنهجية هذه التقارير والمعلومات والاستنتاجات التى تتوصل إليها وتوجيه اتهامات مسبقة حول وجود انتهاكات لحقوق الإنسان فى بعض الدول العربية، وتكوين صورة ذهنية ونمطية لإعطاء الذريعة لبعض الدول الكبرى لتوظيف تلك التقارير لتحقيق أجندات سياسية, الأمر ذاته ينطبق أيضا على التقارير الصادرة عن الأممالمتحدة, فتقرير محققة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أجنيس كالامار الأخير بشأن مقتل المواطن السعودى جمال خاشقجى يقدم مثالا فجا أيضا فى الانحياز وغياب الموضوعية والتسييس, حيث تبنت كالامار فى تقريرها كل الروايات التركية والقطرية حول القضية، وسعت إلى توجيه الاتهامات المسبقة لولى العهد دون حد أدنى من التدقيق والتحقيق, بل حمل التقرير تناقضات واضحة، حيث اتهمت المحققة الدولية العدالة فى المملكة العربية السعودية بشأن التحقيق فى مقتل خاشقجى بأنها لا تسير بنية حسنة, وهو ما يؤكد محاولات التسييس لقضية خاشقجى منذ وقوعها فى أكتوبر الماضى من جانب بعض الأطراف مثل تركياوقطر وبعض الصحف الأمريكية، والتى سعت بكل قوة إلى توجيه مسار القضية فى اتجاهات معينة بغض النظر عن الحقيقة، وذلك لتحقيق أهداف سياسية فى الضغط على السعودية ومحاولات الابتزاز المستمرة. والواقع أن منظومة حقوق الإنسان الدولية سواء التى تشمل المنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة ومنظمة العفو الدولية أو منظمات المجتمع المدنى مثل هيومان رايتس ووتش وغيرها تعيش خللا كبيرا، يتمثل فى وجود ثغرات تتعلق بالتمويل فتحت الباب واسعا أمام المال السياسى لاختراق تلك المنظمات والعناصر التى تعمل بها, وتوظيف تلك التقارير لتحقيق أهداف سياسية معينة وخرجت تلك المنظمات عن مسارها الصحيح الذى أنشئت من أجله، وهو الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان فى العالم ضد أى انتهاكات أو تجاوزات, حيث تتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان فى بعض الدول مثل الروهينجا فى ميانمار، والانتهاكات ضد اللاجئين والمهاجرين فى أوروبا. ولذلك فإن مواجهة هذه المنظمات الدولية وتقاريرها, لا يكون من خلال التجاهل, وإنما يتطلب التحرك على عدة مسارات، أولها تفنيد مزاعم تلك التقارير الدولية وتوضيح الحقائق لكشف ادعاءاتها من خلال التواصل الدولى مع تلك المنظمات, وثانيها التحرك من أجل إصلاح منظومة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان, ومعالجة الثغرات التى تنفذ منها بعض الدول والمنظمات للسيطرة على تلك المنظمات وتوجيه تقاريرها لأهداف سياسية معينة على حساب قضايا حقوق الإنسان. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد