ما بين السهر أمام التليفزيون أو الإنترنت، أو الوقوف علي النواصي والكافيهات، «حتي الساعات الأولي من الصباح.. هكذا يقضي معظم أبنائنا فترات الإجازة الصيفية، فيستيقظ بعضهم بعد الظهر أو بعد العصر، ومبرر الجميع أننا الآن في إجازة وليس وراءنا ما يشغلنا!!في الوقت نفسه هناك طلاب بمجرد انتهاء الامتحانات يلتحقون بعمل أو حرفة معينة إلي آخر يوم في الإجازة، دون مساحة من الترفيه أو الترويح عن النفس. علماء الدين وخبراء التربية وعلم النفس يؤكدون ضرورة وضع رؤية واستراتيجية محددة للأبناء في موسم الصيف تجمع ما بين الجانب المادي والروحي، وذلك باغتنام هذه الأشهر القلائل في صقل مهارات الأبناء وتثقيفهم وتدريبهم علي العمل الموجه، بالإضافة إلي قسط كاف من الراحة والترفيه قبل قدوم عام دراسي جديد. ويوضح الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء إن الإجازة الصيفية فرصة للشباب يستجمون فيها ويروحون عن أنفسهم من عناء ما بذلوه طوال العام من محاضرات ودروس، وهي فرصة أيضا للتثقيف والاطلاع الخارجي حتى تتكون الشخصية العلمية عند الشاب أو الفتاة.. مشيرا إلي أن فترة الصيف ليست للهو فقط، بل هي أيضا لتعميق الطاعة والعبادة لله عز وجل، فينبغي أولا الحرص علي صلاة الجماعة في وقتها بالمسجد، والمداومة علي الأذكار وحفظ شيء من القرآن مع ورد ثابت للتلاوة، ويحسن أيضا تعلم شيء من السيرة، والحرص علي الدروس الدينية بالمساجد، ومتابعة المفيد من البرامج التليفزيونية...لأن الوقت هو أغلي ما يملكه أي إنسان، ومن ثم يجب اغتنامه فيما يفيد دائما، كما أوصي النبي صلي الله عليه وسلم في حديث (اغتنم خمسا قبل خمس)، وذكر منها: اغتنم فراغك قبل شغلك. و أضاف أن علي أولياء الأمور استثمار هذه الفترة المهمة من العام في متابعة أبنائهم وتعميق انتمائهم الوطني والتزامهم الديني عن طريق ارتباطهم بالمسجد، وتدريب الابن علي الواجبات الاجتماعية ومهارات التعامل مع الآخرين، بحسب سنه، فالإجازة وأوقات الفراغ تتسع للكثير مما لا تتسع له فترة الدراسة. وفي الإجازة ينبغي أن يحظي الابن بشيء من الحرية المنضبطة وليست المطلقة، فليس معني أنه في إجازة ألا يحاسبه أحد أين يذهب ومتي يعود، فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة، ولكن ينبغي أن تكون تحركات الأبناء في هذه السن تحت مظلة وتوجيه الآباء والأمهات، كي لا ينجرفوا يمينا أو يسارا. ويحذر الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر من مخاطر التكنولوجيا، لاسيما في فترة الصيف والفراغ للأطفال والشباب، حيث إن الإجازة الصيفية فيها الوقت مفتوح والأهل لا يدرون ماذا يفعل أبناؤهم.. وهنا مكمن الخطورة، مما يؤدى إلى سحب الشاب من بقية النشاطات الأخرى مثل ممارسة الرياضة والقراءة والتثقيف، بل وأداء الصلاة! وأشار إلي أن وسائل التواصل الاجتماعي تجذب الأولاد والبنات بشكل إدماني مما يصعب عليه مقاومتها وهنا سيقع في حالة اندماج شديد، وهذا النشاط أي الانشغال بالتكنولوجيا ووسائل التواصل ليس بريئا طوال الوقت، ففي كثير من الأحيان تدخل البنت في علاقات قد تبدو بريئة في البداية ثم تتحول إلى علاقات غير بريئة وتصبح أسيرة لهذه العلاقة، ويوجد في بعض المواقع ما يسمى (الأفخاخ) أي أن الولد أو البنت يقع في فخ أو حفرة أو ألغام.. هذه الألغام التي يستدرج فيها الشاب والفتاة قد تكون ألغاما دينية مثل أفكار متطرفة أو إلحادية وهناك أيضا أفخاخ عاطفية أو جنسية، وقد تكون أيضا ألغاما رياضية، كالألعاب الإلكترونية القاتلة.. ويستدرج فيها المراهق من خلال الوقت الطويل الذي يقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي. مؤكدا أنه يجب على الشباب وأولياء الأمور أن تكون لديهم خريطة واقعية لقضاء الإجازة الصيفية، وأن تتضمن أنشطة متنوعة تجمع بين الترفيه والتسلية وممارسة الرياضة بأشكالها، فالشخصية الإنسانية تحتاج للثراء للمحافظة على التوازن بين احتياجات الجسد واحتياجات العقل والروح.. فالتنوع في الأنشطة مطلوب ويسهم بشكل كبير في تكوين الشخصية وبنائها بناء سليما. وحبذا لو تضمن برنامج الإجازة أيضا بعض الأسفار والرحلات لنصبح أكثر استكشافا وانفتاحا عن طريق زيارة الأماكن التراثية والسياحية، كي يتعرف أبناؤنا علي معالم وآثار بلادهم، ومن ثم يتسع الوعى وتتفتح المدارك، وتتطور رؤيتنا للحياة والناس والعالم، وحول عمالة الطلاب في الإجازة الصيفية يوضح الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم العميد السابق لكلية أصول الدين بأسيوط أن اتجاه الشباب للعمل في الإجازة الصيفية، خاصة إذا كان من باب مساعدة الأهل في ظروف المعيشة، شيء إيجابي ومهم، لأن هذا العمل يغرس في الشاب تحمل المسئولية وهو في الصغر، وبه يتعلم الرجولة مبكرا, وأشار إلي أنه لا مانع من تعليم الطفل حرفة أو نشاطا معينا في الإجازة الصيفية علي سبيل التعلم، والتمهيد لدخول معترك الحياة، مع مراعاة مناسبة الحرفة لميول الطفل وسنه وبنيته، مع عدم إهمال الجانب الترفيهي أيضا، وأن يكون كل ذلك تحت سمع وبصر الأسرة وليس بمعزل عنها، إذ ينبغي علي رب الأسرة الحرص علي اختيار وانتقاء من يعمل معه ابنه، بأن يكون حسن الخلق، قدوة في نشاطه متمكنا من تخصصه.وأضاف أنه لا مانع من أن يحترف الصبي حرفة أو صنعة ربما يحتاجها فيما بعد، فليس مقبولا أن نبقي علي شبابنا في البيوت والمقاهي حتي التخرج لا يعلمون شيئا عن الحياة ولا يجيدون أي حرفة..ثم نشكو من البطالة بعد ذلك، فلو كان هذا الشاب تعلم شيئا في الصغر ربما ساعده ذلك علي العمل والكسب، حتي قبل التخرج.. ثم إن الإسلام لا يمنع من أي عمل ما دام العمل حلالا وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يذهب أحدكم بحبله فيحتطب أى يجمع الحطب خير له من أن يسأل الناس هذا يعطيه وهذا يمنعه). في الوقت نفسه يحذر د.مختار مرزوق من الربط الدائم بين الإجازة الصيفية والعمالة للأطفال ذوي السن المبكرة، ما قبل الشهادة الإعدادية، بغية تحصيل المال فقط، دون مراعاة النشاط الذي يعمل به، وهو ما تقع فيه بعض الأسر بالمناطق الشعبية، مشيرا إلي أن حصر الطفل بين الدراسة والعمل يولد لديه نوعا من الكبت والحرمان مما يتمتع به أقرانه، فضلا عما قد يصيبه جراء عمله بمجال لا يناسب سنه وبنيته، ومن ثم يظل مستشعرا النقص في ناحية معينة! فمن العبث أن يعمل طفل لا يتجاوز العاشرة في المعمار أو سائق مركبة أو نحو ذلك.. ناهيك عما قد يصيب أخلاقه جراء التحاقه بهذا النوع من العمالة قبل تحصينه أخلاقيا ضد سلبيات ذلك، فنفرح ببضعة جنيهات في بادئ الأمر ندفع مقابلا لها فساد أخلاق أو انحرافا، وربما كان التسرب من التعليم. وقال الدكتور الدكتور حامد أبو طالب العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون إن كثيرا من الطلاب والطالبات يخطئون في عدم استغلال هذا الوقت لتنمية مواهبهم وتنمية قدراتهم فيخلدون إلى النوم الطويل وإلى قضاء أوقات طويلة جدا على مواقع التواصل الاجتماعي بما لا ينفعهم في شيء إلا استهلاك الوقت ومن هنا فإنني انصح أبنائي وبناتي الطلاب والطالبات أن يستفيدوا من العطلة الصيفية بالاشتراك في الأنشطة الطلابية التي تقيمها الجامعات والمدارس، بالإضافة إلي تبني الموهوبين في الرسم والقراءة والكتابة ونحو ذلك والعمل على تنمية مواهبهم بالإضافة إلي حرص الطلاب والطالبات علي تقوية مستواهم في اللغات الأجنبية و«الكورسات« التخصصية والمهارية التي تعينه علي التفوق، حتى يستطيع الطالب أن يشق حياته بقوة وجدارة، ويستقبل العام الجديد بحيوية ونشاط. وينصح الفتيات باستغلال الإجازة في مساعدة أمهاتهن في شئون المنزل وهذا نوع من البر للأمهات، فضلا عن تنمية قدراتهن وخبرتهن في الطهو والتسوق وإدارة المنزل، وأن تتعلم الفتاة من أمها ما يدعم مستقبلها في جميع الجوانب، حتي تكون زوجة وأما صالحة فيما بعد.