يظل الحديث عن تطوير والارتقاء بالجهاز الإدارى للدولة هو الشاغل لرجال الإدارة وقادة الفكر والرأى والنخبة المثقفة من المهتمين بقضايا المجتمع الرئيسية.. ذلك أن الجهاز الإدارى هو حجر الزاوية فى تحقيق آمال المواطنين فى بلوغ حياة أفضل، وهو المسئول عن تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى تسعى إليها أنظمة الحكم تحقيقا لرفاهية المواطنين، والعمل على بلوغ رضائهم، ورفع المعاناة عنهم.. فالجهاز الإدارى هو المسئول عن تقديم الخدمات العامة للمواطنين فى مجالات الصحة، والتعليم والإسكان والنقل والمواصلات والأمن.. وغيرها من المجالات ذات العلاقة الوطيدة بحقوق الإنسان. فى هذا الإطار يأتى الاهتمام برفع كفاءة أداء الجهاز الإدارى للدولة.. وهو هدف دائم ومستمر عملا على تحسين مستوى أداء الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين... من هنا يتناول هذا المجال موقف الجهاز الإدارى فى مصر مما هو معمول له فى الدول المتقدمة من الأخذ بمبادئ الحوكمة، كأحد التوجهات الإدارية الحديثة التى عرفتها تلك الدول منذ فترة التسعينيات، فهى ذلك النمط المتقدم من الإدارة الرشيدة، فالحوكمة الرشيدة تمثل مجموعة النظم والسياسات والإجراءات والآليات التى تحكم إدارة المؤسسات بكفاءة وفاعلية على المستوى المؤسسى ضمانا لبلوغ الأهداف المخططة، وهى تعتمد على ركائز أساسية من المشاركة الفعالة، والشفافية، والمحاسبة والمساءلة، ومقاومة الفساد.. ولسنا هنا بصدد التعريفات النظرية فهى معروفة وكثيرة ومتعددة.. لكننا نبحث عما تملكه من مقومات لنجاح الحكومة فى الجهاز الإدارى المصري.. وهل نستطيع القول إننا على الطريق فى هذا الاتجاه... ولو أمعنا النظر يمكننا القول إن منهج الحوكمة تتوافر لدينا بعض مقوماته فى شكل الركائز الأساسية لتطبيق حوكمة الإدارة، وذلك على النحو التالي: الإطار التشريعي، ويضم: الدستور المصرى وقد نص صراحة على الأخذ بمفهوم الشفافية والحوكمة.. والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وقانون الخدمة المدنية الجديد ولائحته التنفيذية والقرارات التنظيمية الصادرة، واستراتيجية التنمية المستديمة 2030، والإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والإطار القانونى الحاكم لمواجهة المخالفات والنظام التأديبى بالتشريعات المختلفة. الإطار المؤسسى ويضم: وحدات إدارة وكيانات تنظيمية من وزارات وهيئات ومصالح وأجهزة ووحدات محلية إدارية، ووزارة مسئولة عن الإصلاح الإدارى يتبعها جهاز للتنظيم والإدارة، ومديريات التعليم والإدارة على المستوى المحلى لا مركزيا فى المحافظات، وهيئة مستقلة للرقابة الإدارية، ومراكز لأداء الخدمات للمواطنين، ومركز الحوكمة - الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب، ومراكز التدريب - المعهد القومى للإدارة. الإطار التنفيذى والتطبيقى والعملي، ويضم: برامج وخططا لتقييم الأداء الإدارى وتطوير مستوى أداء الخدمات الحكومية، ونظما فعالة للتدريب الإدارى والتخصصي، ونظما لاختبار وإعداد القيادات الإدارية وجهودا ملموسة لهيئة الرقابة الإدارية، ونظما لقياس كفاءة الأداء وتقويم الموظفين. إن ما سبق يمثل بالفعل إمكانات متوافرة لدينا تصنع الأمل فى تحقيق الحوكمة داخل الجهاز الإدارى للدولة وتتيح الفرصة لغرس أساس الفكر وتوفير البيئة المواتية والحاضنة لها، فالمبدأ قابل للتنفيذ بالفعل.. ولعل توافر الإرادة السياسية متمثلة فى اهتمام السيد رئيس الجمهورية بتحقيق نهضة تنموية من خلال مشروعات قومية ممتدة بطول البلاد وعرضها لهو أبلغ دليل على إمكان تحقيق ما نصبو إليه، فقد أثبت المجتمع المصرى بعد التعديلات الدستورية الأخيرة أنه اختار طريق المستقبل، وأنه قادر بالفعل على مواجهة التحديات وهو ما يقدم رغبة شعبية مجتمعية لمواصلة طريق النهوض، وهناك بالفعل جهود تبذلها الأجهزة المختصة فى مجالات تدريب الموظفين، وتمكين الشباب من الوظائف العامة، وإعداد جيل جديد لقادة المستقبل بما يؤهل لبناء جسور الثقة لبلوغ مستقبل أفضل لتطوير الجهاز الإدارى وتطبيق أنظمة الحوكمة الرشيدة. لمزيد من مقالات د. حسين رمزى كاظم