لم أكن أضرب الودع عندما قلت منذ بداية تصعيد التهديدات الأمريكية ضد إيران أن أمريكا هى آخر دولة فى العالم تفكر فى شن حرب ضد إيران ليس خشية من عدم القدرة على تحطيم الآلة العسكرية الإيرانية وإنما لأن هناك حسابات جديدة فى البنتاجون بشأن ضرورات استخدام القوة الأمريكية بشكل مباشر على ضوء الدروس المستفادة من سلبيات الغزو الأمريكى لأفغانستان والغزو الأمريكى للعراق فى مطلع الألفية الحالية. والحقيقة أن التقدم التكنولوجى الرهيب فى صناعة السلاح هو الذى استحدث مبدأ جديدا فى البنتاجون مفاده أن قوة الاشتباك فى أى منطقة لا يمكن قياسها بعدد المدرعات والدبابات والطائرات الموجودة فى قواعد على أرض المعركة ولكن العبرة بقدرات تلك الآليات.. بمعنى أن تلك القوات الأرضية يجب أن تكون قوات خفيفة يسهل انتشارها من ناحية وتتجنب ما هو محتمل من امتلاك أعداء أمريكا لتقنيات تمكنهم من مهاجمة القواعد الأمريكية فى مناطق التوتر باستخدام الصواريخ البالستية التى تمثل على سبيل المثال أحد أهم أذرع القوة الإيرانية فى المنطقة حاليا جنبا إلى جنب مع امتلاك إيران القدرة على امتلاك الطائرات المسيرة «بدون طيار»! ووفقا لرؤى البنتاجون المستخلصة من دروس الحرب فى العراق وأفغانستان فإن أمريكا بحاجة إلى حسابات جديدة فى استخدام القوة توازن بين حرصها للحفاظ على الانتشار العسكرى حول العالم وبين تجنب الاحتكاك المباشر الذى يكلف أمريكا خسائر بشرية باهظة حتى لو كان ذلك يتصادم مع الأصوات الزاعقة فى أروقة الكونجرس للمطالبة بزيادة عدد القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط ومراعاة الالتزامات الأمريكية التاريخية بتأمين إسرائيل والاقتراب من رؤيتها لأوضاع المنطقة والتى تحاول دفع الأمور لصدام شامل مع إيران وأذرعها العسكرية فى المنطقة. وربما زاد من قوة الرؤية التى يتمسك بها البنتاجون تجاه الأزمة مع إيران على عكس ما كان يسعى إليه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بدعم من وزير خارجيته جورج بومبيو عند بدايات التصاعد بالأزمة أن أوروبا ليست متحمسة لأى حرب ضد إيران ومازالت تجاهر برغبتها فى عدم نسف الاتفاق النووى مع طهران.. ومن ثم لا يبدو غريبا ولا مفاجئا ذلك التغير الواضح فى لهجة الخطاب الأمريكى الآن والذى يقول به ترامب وبومبيو سويا عن استعداد واشنطن للتفاوض مع إيران دون شروط مسبقة. وبعيدا عن كل ما ورد فى السطور السابقة فإن أمريكا لا تمانع فى قيام أطراف إقليمية بشن الحرب ضد إيران أو على الأقل إزعاجها والضغط عليها بعمليات محدودة لا تؤدى إلى تورط أمريكا! خير الكلام: القدرة على تجنب الخطر لا تقل أهمية عن القدرة فى التغلب عليه إذا وقع! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله