إذا كان العالم قد انشغل ومازال بأتباع اليمين المتطرف، فاشيى العصر الجدد الذين بلغوا، من التحريض والترهيب ضد الآخر المختلف معهم دينيا وعرقيا وسياسيا، مستويات غير مسبوقة خلال انتخابات الاتحاد الأوروبى الأخيرة، فإن هناك ضرورة للاهتمام بالمعادل الموضوعى المعاكس لهم، أى أحزاب الخضر التى حققت نتائج مذهلة فى الانتخابات. حصلت أحزاب الخضر على 71 مقعدا ( من اجمالى 751) بعد أن كان لديها 51 بالبرلمان السابق. ولأنه لا توجد كتلة برلمانية واحدة تتمتع بالأغلبية، فإن مواقف الخضر وتصويتهم سيرجح الكفة لصالح هذه الكتلة أو تلك، أى أنهم بمثابة صانعى الملوك بالبرلمان الجديد. لكن الانحياز لن يكون، كما تقول قيادات الخضر، انتهازيا بل على أساس موقف الكتل من التغير المناخى والحريات المدنية والعدالة الاجتماعية، وهى قضايا يقفون فيها على خلاف تام مع اليمين المتطرف. هذا النجاح ترافق مع نضج سياسى جعل الخضر يتحولون، كما يقول دانيل كليمان أستاذ السياسة والقانون بجامعة روتجرز الأمريكية، من راديكاليين غير تقليديين لا يقبل عليهم الناخبون إلى ما يشبه التيار الرئيسي. ومع تراجع شعبية يسار الوسط بأوروبا، وجد بعض ناخبى هذا التيار الخضر بديلا مناسبا. كما أن تركيز الخضر على البيئة والتغير المناخى أكسبهم شعبية كبيرة لدى كتلة مهمة من الناخبين الأوروبيين خاصة الشباب الذين أصبح ارتفاع درجة حرارة الأرض والتحرك لمواجهته هاجسا كبيرا لديهم، وموقفهم من أى حزب مرتبط برؤيته لمعالجة هذا القضية والإجراءات التى يقترحها لذلك. وظيفة صانعى الملوك ليست جديدة على الخضر، فقد كان انحيازهم للمسيحيين الاجتماعيين أو الاشتراكيين فى ألمانيا يحدد أى الحزبين سيتولى الحكم، وكانوا يحددون من هو الحزب الحاكم (وقد اختاروا المسيحيين الاجتماعيين)، وبمقتضى ذلك تولوا منصب نائب المستشار سنوات طويلة لكن الحاجة إليهم انتفت بعد اتفاق الحزبين الكبيرين. الخضر فى طورهم الجديد يمكن أن يشكلوا قوة مهمة فى مواجهة اليمين المتطرف وأفكاره، لأن المبادئ مازالت أهم عندهم من السلطة، بعكس الأحزاب التقليدية التى تمسك العصا من المنتصف لأغراض انتخابية وسعيا وراء السلطة. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام