مع نهاية الاقتراع في انتخابات البرلمان الأوروبي وظهور المؤشرات الرئيسية للنتائج، ربما يكون الصعود الملحوظ للأحزاب اليمينية هو التطور المهيمن على المشهد في أوروبا، في هذا التقرير نسلط الضوء على البرلمان الأوروبي ووظائفه ودلالات صعود اليمين المتطرف. 1- ما هو البرلمان الأوروبي؟ وكم يبلغ عدد أعضائه؟ هو مؤسسة برلمانية منتخبة بشكل مباشر، يمثل المجلس التشريعي الخاص بالاتحاد الأوروبي ويتشارك سلطة التشريع مع مجلس الاتحاد الأوروبي “المكون من وزراء حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد”، كما يختصا معًا باعتماد ميزانية الاتحاد والرقابة على عمل المفوضية الأوروبية، ويتألف البرلمان من 751 عضو يسمى عضو في البرلمان الأوروبي (MEP)، الذين يعملون في خدمة الناخبين في ثاني أكبر انتخابات ديمقراطية في العالم (بعد انتخابات الهند)، وأكبر عملية انتخابات غير وطنية ديمقراطية في العالم مع وجود قاعدة ممن يحق لهم الاقتراع بأكثر من 400 مليون ناخب. وفقًا لمعاهدة نيس فإن العدد الأقصى لأعضاء البرلمان هو 785، والمنتخبين منهم 732 بينما جاءت معاهدة لشبونة لتوسع الصلاحيات التشريعية للبرلمان الأوروبي. ينتخب البرلمان بالاقتراع المباشر لمدة 5 سنوات بداية من عام 1979، ويرأسه حاليًا جيزى بوزيك من حزب الشعب الأوروبي “منذ عام 2009″ ، والبرلمان لديه مكانين لانعقاده، هما مبنى لويز ويس في ستراسبورغ بفرنسا، والذي يقام فيه 12 دورة عامة كل منها مكونة من أربعة أيام في السنة، وهو يعتبر المقر الرسمي. والآخر هو إسباس لوبولد في بروكسل ببلجيكا وهو الأكبر وتنعقد فيه اجتماعات اللجان والمجموعات السياسية والجلسات العامة، بينما يقع مقر الأمانة العامة للبرلمان الأوروبي، والهيئة الإدارية للبرلمان، في لوكسمبورغ. 2- متى بدأ البرلمان الأوروبي عمله؟ يعتبر البرلمان الأوروبي أقدم المؤسسات الأوربية المشتركة، وتعود بدايته إلى عام 1952 بعد تأسيس الجماعة الأوربية للصلب والفحم “منظمة مكونة من ستة دول هدفت إلى توحيد أوروبا الغربية خلال الحرب الباردة” بعدد أعضاء 87 يمارسون مهامًا استشارية وليس لهم مهام تشريعية. في عام 1979 تم انتخاب الأعضاء بصورة مباشرة للمرة الأولى. وعقد أول جلسة للبرلمان المنتخب في 11 يوليو 1979 وفيها تم انتخاب سيمون فيل المحامية الفرنسية رئيس للبرلمان وكانت أول امراة تنتخب لهذا المنصب منذ بداية تأسيس البرلمان. 3- ما هى مهمة البرلمان الأوروبي؟ (1) يتألف النظام التشريعي في الاتحاد الأوروبي من غرفتين هما البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي، حيث يتم تقسيم السلطة التشريعية بالتساوي بين الغرفتين، ولا يمتلك أيّ من البرلمان الأوروبي أومجلس الاتحاد الأوروبي سلطة المبادرة التشريعية “إصدار تشريعات دون طلب من المفوضية الأوربية” بعض الاستثناءات للمجلس فيما يخص الامور الحكومية الدولية، أما سلطة اقتراح التشريعات فهي من اختصاص المفوضية الأوروبية الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، في حين أن البرلمان يمكنه أن يعدل ويرفض التشريعات المقترحة، لكن يظل تقديم اقتراح بمشروع التشريع وصياغتة من اختصاص المفوضية. (2) تملك السلطة التشريعية رسميًا السلطة على ميزانية الاتحاد الأوروبي عن طريق السلطات الممنوحة لها من خلال معاهدات الميزانية في السبعينات من القرن الماضي ومعاهدة لشبونة التي أعطت سلطات أكبر للبرلمان فيما يخص الميزانية. (3) يملك البرلمان أيضًا تأثيرًا غير مباشر على السياسة الخارجية للاتحاد، فيتوجب على البرلمان أن يصادق على جميع المنح التنموية بما فيها المقدمة للدول الأخرى. كمنح دعم إعادة إعمار العراق بعد الحرب، والحوافز المقدمة لإيران لوقف البرنامج النووي الإيراني وغيرها. (4) على مستوى الرقابة على السلطة التنفيذية هناك فصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية مما يجعل البرلمان الأوروبي أقرب إلى الكونغرس في الولاياتالمتحدة منه إلى الهيئة التشريعية في دول الاتحاد الأوروبي. يتم تسمية اسم رئيس المفوضية من قبل المجلس الأوروبي، ويجب على البرلمان الموافقة على هذا الاقتراح بالأغلبية البسيطة. بعد موافقة رئيس المفوضية، يقدم رئيس المفوضية أعضاء المفوضية ليوافق عليهم البرلمان، ويكون التصويت غالبًا محكوماً بالتوجهات الأيدولوجية لأحزاب البرلمان أكثر مما يكون مرتبطا بالجنسية، أي أن العضو اليميني الإيطالي مثلًا يقدم التصويت لرئيس يميني فرنسي أكثر من رئيس يساري إيطالي، كما يمتلك البرلمان حق توجيه النقد للمفوضية وإذا توفرت أغلبية الثلثين فيمكنه إجبار المفوضية على الاستقالة. 4- ما هى أحزاب البرلمان الأوروبي؟ تتكتل جميع الأحزاب الأوروبية المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي في 7 مجموعات وألوان حزبية، وطبقا للنتائج المعلنة في انتخابات 2014، فإن حزب الشعب الأوروبي (214) والتحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (191) قد حافظا على سيطرتهما على مقاعد البرلمان “وكلاهما من أحزاب الوسط”، حيث حصل التحالفان على 265 مقعد و184 مقعد على الترتيب في انتخابات 2009. أما النتيجة الأبرز في انتخابات 2014 فكان الصعود الكبير لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا حيث حصد ما يقرب من 100 مقعد من مقاعد البرلمان الأوروبي. وجاءت مقاعد الكتل السبعة موزعة كالتالي: 1- كتلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية حصلت على 214 مقعدًا. 2- كتلة الديمقراطيين الاجتماعيين حصلت على 189 مقعدًا. 3- كتلة الليبراليين حصلت على 72 مقعدًا. 4- كتلة الخضر حصلت على 52 مقعدًا. 5- مجموع مقاعد اليمين المتطرف 46 مقعدًا. 6- اليسار والشيوعين معآ حصلوا على 42 مقعدًا. 7- بقية المقاعد والتي يبلغ مجموع عددها 142 مقعدًا توزعت على أحزاب صغيرة وتعمل لوحدها داخل البرلمان الأوروبي. تعرف الجماعات والأحزاب اليمينية عموما بأنها تلك التي تسعى إلى الحفاظ على الأعراف والتقاليد الدينية والاجتماعية وتنمية الروح القومية الخاصة بالقطر، بينما تتفرد جماعات اليمين المتطرف عن اليمين التقليدي بدعوة الأخيرة إلى التدخل القسري بل وأحيانا استخدام العنف -وربما السلاح- من أجل فرض الأعراف والقيم الاجتماعية. في أوروبا تتخذ جماعات وأحزاب اليمين المتطرف عموما موقفًا مضادًا من تعزيز الوحدة الأوروبية، بل على النقيض من ذلك تميل إلى تعزيز القوميات القطرية، كما ترفض أحزاب اليمين المتطرف الهجرات إلى أوروبا وتميل إلى منعها والتقييد على المهاجرين الذين تعتبرهم خطرًا ديموغرافيًا عليها، كما يتبنى اليمين المتطرف الأوروبي مواقف مناهضة ضد الأقليات الدينية وضد المسلمين. 6- ما هي أحزاب اليمين المتطرف التي فازت في الانتخابات؟ شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي -مؤخرًا- تقدما كبيرًا لقوى اليمين المتطرف كان أبرزها الفوز الكبير لحزب “الجبهة الوطنية” (أقصى اليمين) في فرنسا حيث شكل هذا الفوز زلزالًا سياسيًا وجعل الحزب اليميني المتطرف القوة السياسية الأولى في فرنسا، متقدمًا على الحزب الاشتراكي الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس فرانسوا هولاند وحاصدًا أكثر من 25% من إجمالي الأصوات ليحصل بذلك على 23-25 مقعد من إجمالى 74 مقعد لفرنسا في البرلمان الأوروبي. وفي إنجلترا حقق حزب “يوكيب” اليميني تقدمًا ملحوظًا في نسب التصويت، بينما في ألمانيا التي تملك أكبر عدد من النواب في البرلمان الأوروبي (96 نائبا) حل المحافظون بقيادة أنجيلا ميركل في الطليعة، بحسب النتائج الأولية. لكن الحزب الجديد المناهض لليورو “ايه اف دي” والذي تأسس في ربيع 2013 ويدعو إلى إلغاء العملة الأوروبية الموحدة، سيسجل دخوله للبرلمان مع 6,5% من الأصوات. وفي اليونان حل حزب اليسار المتشدد سيريزا بقيادة الكسيس تسيبراس في الطليعة متقدما بشكل طفيف على حزب الديمقراطية الجديدة اليميني الحاكم. وعلى الطرف الآخر من المشهد السياسي يتوقع أن يحصل حزب “الفجر الذهبي” النازي “يمينى متطرف” على ما بين 8 إلى10 % من الأصوات. وفي النمسا سجل حزب اليمين المتطرف “اف بي او” الذي يأمل في تشكيل كتلة مع “الجبهة الوطنية” الفرنسية، تقدمًا واضحًا وسيحل ثالثًا مع 19,9 % من الأصوات محققا تقدما ب 5 % مقارنة مع انتخابات 2009 ، وفي هولندا . ورغم زحف اليمين الأوروبي المتطرف نحو برلمان ستراسبورغ، إلا أنهم لم يحصلوا عمومًا على أكثر من 100 مقعد من مجموع المقاعد في البرلمان الأوروبي والبالغ عددها 751 مقعدا. 7- لماذا صوت الأوروبيون لليمين المتطرف؟ وما التأثيرات المحتملة لذلك؟ هناك جملة أسباب أدت إلى تصويت الأوروبيين لليمين المتطرف -الرافض للوحدة الأوروبية- أولها الفشل الذي منيت به العديد من الحكومات الأوربية في تحقيق مطالب شعوبها وتعليق الحكومات لفشلها على شماعة الاتحاد، أما ثانيها فيرجع إلى الأزمة الاقتصادية وتفشي البطالة مع زيادة أعداد المهاجرين، وثالثًا كثرة الأجانب في دول غرب أوروبا، أما رابعًا فهى الأزمة الاقتصادية التي ضربت الجنوب واستنزفت العديد من دول الشمال. على مستوى أوروبا -مجملًا- الأمر لايدعو للقلق، فتحالف اليمين المتطرف لم يحصل على أكثر من 46 مقعد، وأحزاب اليمين المتطرف مجملًا لم تتعدَّ مقاعدها مائة مقعد بأي حال، وبالتالي فالمزاج الجماهيري لا زال يميل نحو الأحزاب التقليدية باستثناء في فرنسا التي صعد فيها اليمين بشكل كبير، وبريطانيا التي تحمل خصومة تاريخية ضد مشروع الوحدة الأوروبية ولم تنضم للاتحاد إلا وفق اشتراطات خاصة. على مستوى حقوق الأقليات والمهاجرين، ربما تشهد فرنسا تراجعًا واضحًا حيال هذا الأمر خاصة في حال نجح اليمين في الحفاظ على تقدمه في انتخابات البرلمان في فرنسا، كذلك في هولنداوالنمسا واليونان وبلجيكا بسبب ازدياد نفوذ الجماعات اليمينية. المصدر: ساسة بوست