اعتاد وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر أن يسخر من عدم قدرة أوروبا على الحديث بصوت واحد فى السياسة الخارجية، وكان دائما يوجه سؤاله الشهير: عندما أرغب فى معرفة موقف أوروبا من قضية ما، مع من أتحدث؟ ويبدو أن ما كان يشكو منه كيسنجر خارجيا سيواجهه الاتحاد الأوروبى داخليا أيضا، فقد أسفرت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبى عن نصف هزيمة لأحزاب يمين ويسار الوسط ونصف فوز لليمين المتطرف، ونتائج جيدة للخضر. عمليا، سيبقى تحالف يمين الوسط المحافظ الكتلة الكبرى يليه الاشتراكيون الديمقراطيون لكنهما سيحتاجا إلى دعم الليبرليين والخضر لتشكيل أغلبية مؤيدة لأوروبا داخل البرلمان بمواجهة اليمين المتطرف الذى زادت حصته من 18 إلى 58 مقعدا، وهى كافية لكى يكون له صوت مسموع ولكن ليس حاسما فى التشريعات وؤقرار السياسات واختيار قيادات الاتحاد الأوروبى الجديدة. لم تتحقق إذ الثورة التى وعد بها اليمين المتطرف وساعده فيها ستيف بانون مبعوث العناية الأمريكية لتحويل أوروبا إلى فضاء شعبوى يكون ظهيرا لترامب وسياساته، وكذلك موسكو بشكل غير مباشر من خلال حملة غير مسبوقة على السوشيال ميديا. ولذلك، فإن الحديث عن ولادة أوروبا الجديدة، كما قال سالفينى أحد قادة اليمين المتطرف ونائب رئيس الوزراء الإيطالى، سابق لأوانه بالنظر إلى أن الاهتمام غير المسبوق بهذه الانتخابات واعتبارها الأهم منذ 40 عاما، سلط أضواء كاشفة على قيادات اليمين المتطرف وسياساتها وفساد بعضها، كما حدث فى النمسا باستقالة نائب المستشار ليتضح أمام الناخب الأوروبى أن هؤلاء القادة ليسوا أنبياء أو قديسين جاءوا لتطهير القارة من دنس القيادات التقليدية ودنس الأقليات بل هم على أقل تقدير مجموعة من الديماجوجيين عديمى الخبرة زاعقى الصوت. لكن ذلك لا يعنى أن مغامرة اليمين المتطرف فشلت بل على العكس ربما كانت البداية، فهم طرحوا قضايا شديدة الأهمية للمواطن العادى وما لم تلتفت إليها الأحزاب التقليدية، فإن الثورة المزعومة قد تتحقق فى الانتخابات المقبلة أو قبلها على مستوى البرلمانات البرلمانات الوطنية، وعندها لا تلوم أحزاب الوسط إلا نفسها. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام